لا أظنُّ أنَّ الرئيسَ الأمريكيَّ باراك أوباما قدْ فاجأَه قانونُ «جاستا»، ولا أنَّهُ قد فوجئ برفضِ الكونجرس بمجلسَيه للفيتو الرئاسيِّ على القانون المذكور، لكنَّنا نحنُ مَن احتفظ لنفسه بحقِّ المفاجأة، أو مَن أراد الاستئثار بها، فلم يتحرَّك مبكِّرًا لإجهاضِ هذا المسعى الأمريكيّ، الذي لا يُهدِّدُ مصالحَ السعوديَّة وحدها، وإنَّما قد يطالُ بضررِهِ عشراتِ الدولِ، وفيها دولٌ بعضُها عُظمَى، وبعضُها كُبرَى. دعونا نعترف أنَّنا قد أحسنَّا الظنَّ بـ»أصدقائنا الأمريكيين»، ودعونا نعترف -أيضَا- أنَّنا أسرفنا في إكرامهم، وبالغنا في الاحتفاء بدورهم، بل وراهنَّا -في بعض الأحيان- على أنَّهم يمسكون بكلِّ أوراق اللعبة الدوليَّة، أو ٩٩٪ منها، كما كان يقول أنور السادات. أمَّا الآن، وقد حصحصَ الحقُّ، بتصويت الكونجرس بمجلسَيه بأغلبيَّةٍ ساحقةٍ على رفض اعتراض أوباما على قانون «جاستا» Justice Against Sponsors of Terrorism Act»، فقد أصبحنا مطالبين ببحث سبلِ التصدِّي لهذا القانون الجائر. أوّل مقتضيات المواجهة مع هذا القانون الأمريكي الجائر، هو المسارعة بتحصين أموال، أو ممتلكات سعوديَّة، أو عائدة لسعوديين في الولايات المتحدة، فلا معنى لانتظار ما قد تسفر عنه ضغوط السياسة، بعدما انهزم البيت الأبيض بتصويت كاسح في الكونجرس. ثاني مقتضيات المواجهة أنْ نسعى لبناء تحالف دولي مناهض للقانون الأمريكي الجديد، وهي مهمَّة ليست سهلة، لكنَّها ممكنة، بسبب ما يُمثِّله «جاستا» من انتهاك لأبسط قواعد السيادة في العلاقات الدوليَّة. ثالث مقتضيات المواجهة أن نُوطِّدَ أنفسنا على الحياة بدون أمريكا، ليس لأنَّها أصبحت غائبة، ولكن لأنَّها برهنت على كونها صديقًا غيرَ مؤتمنٍ، وحليفًا غيرَ موثوقٍ. رابع مقتضيات المواجهة أنْ نسعى لبناءِ، أو تشكيل «سلَّة مصالح متجانسة»، مع قوى دوليَّة وإقليميَّة تتَّسع القواسم المشتركة بيننا وبينها، على المستوى الإستراتيجيّ. ثمَّة تدابير احترازيَّة -إذن- ينبغي أنْ تبدأَ على الفور، وثمَّة إجراءات وسياسات يستدعيها الظرف، وتستوجبها تداعياته. في معرض دفاعه عن القانون الجديد، يقول السيناتور بوب جراهام رئيس لجنة الاستخبارات الأسبق بمجلس الشيوخ الأمريكي، في الفترة من ،٢٠٠١ وحتى ٢٠٠٣: إنَّ ثمَّة سوابقَ في التاريخ الأمريكيّ جرى فيها إجبار دول أجنبيَّة على دفع تعويضات لمواطنين أمريكيين، قالوا إنَّهم تضرَّروا بسبب تلك الدول، ويسوق جراهام قصةَ إجبارِ بريطانيا على دفع تعويضات لأمريكيين قُتلوا، أو أُصيبوا بجراح أثناء الحرب الأهليَّة الأمريكيَّة، التي تعهَّدت إنجلترا بالتزام الحياد بين طرفيها، لكنَّها انتهكت هذا الحياد حين سمحت ببناء سفينة حربيَّة بميناء إنجليزي لحساب أحد طرفي الحرب، أمَّا السابقة الثانية والأكبر، فيشير جراهام إلى قضيَّة لوكربي، حيث تمَّ إجبار الرئيس الليبي معمر القذافي على دفع ألفين وسبعمئة مليون دولار تعويضات لأسر ضحايا الطائرة الأمريكيَّة، التي انفجرت فوق لوكربي، بواقع عشرة ملايين دولار لكل أسرة. مطلوب تحرُّك خليجي - عربي - دولي، لتطويق هذا القانون الأمريكي الجائر، ولبناء تحالف مناهض له، فالقانون الأمريكيّ الجديد يسوغ لبعض حلفاء أمريكا، في حال المعاملة بالمثل، ملاحقة مسؤولين سابقين، أو حاليين بها أمام القضاء في قضايا أفدح، مثل وقائع تتعلَّق بجرائم اغتصاب ارتكبها جنود أمريكيون بحقِّ يابانيات في جزيرة أوكيناوا، التي تضم قاعدة عسكريَّة أمريكيَّة، وكذلك في الفلبين، وفي كوريا، هذا عدا جرائم حرب ثابتة بالوثائق في فيتنام، وقبلها جريمة الجرائم، بإلقاء أوّل قنبلتين ذريَّتين فوق هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين دون سبب مباشر، بعدما كانت الحرب قد وضعت أوزارها. moneammostafa@gmail.com