لعلك بخير، آمن تماماً كزجاجة الخلِّ على الرف كما يقول المثل، قابعة في سكون لا يؤرقها ريح أو يد عابثة. لعلك بخير، رحل عنك من تكره، وما زال كل من تحب على قيد الحياة، لعلك محظوظ برزق لم تسعَ إليه، ولكنه أتاك على غير علم عندك، ولعلك شاكر حامد لكل النعم، مُدرِك لقيمتها، ولعلك هانئ البال، سعيد، رغم ما يحيط بنا من إحباطات في عالمنا البغيض. لو كنت هذا الشخص فدعائي لك بدوام الحال، وأن يزيدك الله من فضله، ودعائي الأثير: ألا تُختَبر. فعند الاختبار -عزيزي/عزيزتي- تصبح كل الأشياء على المحكِّ. نصبح عُرضَة لإعادة التقييم وإعادة اتخاذ القرار، وربما يذهب بنا الاختبار لما هو أبعد وأقسى، إعادة ترسيم حدود مبادئنا التي خِلناها من ثوابت شخصياتنا التي لا يغيرها الزمن. فالزمن قادر على خرق الثوابت بتقلباته. وعندما يأتينا الاختبار بتقلب الزمن والأحوال تنهار القشرة التي خِلناها صلبة حامية، وتنكشف نقاط ضعف لم نكن ندري عنها شيئاً، بل ربما كنا ننفي وجودها إن سُئلنا عنها، ننكشف تماماً، وتظهر دواخلنا لأنفسنا، وربما للآخر، وهو عادة ما نكره بشدة. والاختبار لا يأتي عادة إلا مفاجئاً، صادماً كإعصار، أو نراه كذلك، لا يأتينا كما هي عادة الاختبارات بجدول مسبق وبوقت محدد له بدء وانتهاء، ومُراقب يدور ومُصحح يقيِّم، إن اختبارات الحياة تختلف، تدهم، تعتصر النفس، ولا يُجدي لها استعداد مُسبق واستذكار بدأب، لأنها تختبر ما هو كائن بأعمق ما فينا، تختبر قوة التحمل وتختبر فضيلة الصبر، تختبر الضمير، وتختبر ما نشأنا عليه. والآن، وأنت أمام اختبار قاس ماذا عليك أن تفعل؟ ماذا لو واجهتك أزمة مادية طاحنة؟ أو فقدت عزيزاً؟ ماذا لو هدَّدك أحدهم لتأثم؟ ألم تُقسِم يوماً كذباً وأنت تؤكد لنفسك أنها كذبة بيضاء لدفع الضرر؟ ماذا لو راودتك نفسك وكنت وحيداً بلا رقيب؟ ماذا لو تهددت تجارتك أو سقط ابنك أو رحلت عنك شريكة الحياة؟ إنها سلسلة الـ"ماذا لو" التي يمكن لنا خداع أنفسنا بمراوغتها، قائلين إننا في مأمن من كل هذه الافتراضات، لكننا أمام الاختبار بالفعل، وقليلون من يتذكرون حلال الله وحرامه، قليلون من يميزون في تلك اللحظات بين الصواب والخطأ، وكثيرون -بل كثيرون جداً- يدركون كل هذا، ولكنهم لا يستطيعون دفع الرسوب عن أنفسهم! وهذه هي معضلة الإنسان الأولى منذ بدء الخليقة. هل أدركت لماذا نحسد الأطفال؟ ولماذا يتمنى البعض الموت سريعاً قبل أن يشتد حمقه الدنيوي؟ هل أدركت لماذا نتمنى محو لحظات من الزمن شهدت سقوطنا؟ ولماذا نراوغ لنظل على الجانب الخالي من الملعب؛ كحارس مرمى لم يُختَبر؟ ماذا نفعل إذن؟ سيدهشك أن أقول إن الحل يكمن في تحويل هذا الاختبار الدنيوي النفسي إلى اختبار دراسي حقيقي! تعامل معه كما تفعل في اختباراتك الدراسية، ولكن احذر الغش! وتذكر نصائح الأهل قديماً. ألم يقولوا لك استذكر مرة واثنتين، وأولاً بأول، ما يعني أن تحتاط منذ البداية، فلا تدع قلبك يتعلَّق أكثر مما يجب بخلق أو مال أو حال. ألم ينصحوك "كن واثقاً من نفسك"؛ أي آمن بقدرتك على اجتياز العقبة، ولا تترك لضعفك أن يحكم تفكيرك ويُقيّد أفعالك. هل تتذكر كم مرة حذَّرك الأهل من رفيق السوء؛ فلتعتبر نفسك ما زلت ذلك الغر الصغير، وفنِّد محيطيك، واستفت قلبك بشأنهم، أليس المرء على دين خليله؟! انتَقِ من يعينك على الصبر، على النجاح، من يشغل مركز المُدافع الذي يبعد عنك، كحارس مرمى معظم كرات الخطر. ألم يقل لك الأهل راجع إجاباتك قبل تسليم ورقة الإجابة؟ ألم يخبروك أن تُحسِّن خطك وتوضِّحه، أرى هذا يعني أن تحطم ثوابتك ومبادئك بجدران صلبة، وراجع قراراتك وأخرجها للدنيا في أحسن صورة. تقرب إلى الله وابتهل ولا تظن أن تقربك رياء، فالله أعظم وأجل من ظنك، اطلب العون ولا تستحِ ولا تتكبَّر فأنت على المحك، وعندما تصبح وجهاً لوجه مع قرارك خذ نفساً عميقاً ليأتِ قرارك/إجابتك على قدر قوتك وإرادتك. وعندما تنجح وتعبر اختبارك، كافئ نفسك بجوائز من نور تُعلّقها ببيتك أو سيارتك أو مكتبك أو حتى شجرة في غيطك، إنها علامات صمودك التي لا يعرف عنها غيرك، إنها جوائزك لنفسك القوية المُقاوِمة، جوائزك المخفاة حتماً عن الآخرين. وفي النهاية، ربما تفشل، ويلاحق نفسك الخزي، ساعتها ذكِّر نفسك أنه الاختبار الأول وربما هناك ما هو أكثر، فلنكمل ولنستعد. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.