عندما دحرج "غالي لي" كراته على سطح مائل بدرجة تسارع حددها كما أراد هو واختار وزنها، ودرجة تسارعها تبعا لإرادته، أدرك أن العقل لا يرى إلا ما ينتجه هو نفسه، من خلال خططه التي أعدها، وأنه ينبغي أن يحدد أحكامه بحسب قوانين ثابتة، كما قدم "كانط" في كتابه (نقد العقل المحض). فإذا قلنا إذن، إن ما يدور حولنا من نجاح أو إخفاق ما هو إلا نتاج العقول ومقدراتها، مما جعل الواقع يتشكل حسب الجدل الذي يقوم به الفرد في محيطة وبيئته، وبذلك تتشكل النزعة الثقافية التي تختصر العالم أمام رغباته وقناعاته. وتجدر الملاحظة هنا حول تطوير وتنمية الموارد البشرية وتوطين الوظائف، مما استرعى الانتباه، ونظم العلاقة بين السعي من أجل حياة أفضل، وبين إنتاج مثمر يقلص المسافة الزمنية بين الحاجة والاكتفاء، ويعتبر أهم رافد لمواكبة الحضارة والتطور. وعلى سبيل المثال ان الحضارة الراهنة لو أزحنا النقاب أو الستار عنها، لوجدنا أنها تفرض أعباء كبيرة على الإنسان، وتؤلب النفوس البشرية بعضها على بعض، وتظهر النزعة العدوانية، في المجتمعات المتنامية بشكل أوفر. ويبقى المجتمع النامي تحت سلطة الخوف من الدمار، وهاجس المؤامرة، وتأييد الانغلاق والارتياب من الانفتاح، وتسخير القوى العاملة نحو ثقافة تقليدية، تفتقد الإنتاج الفعلي الذي يرفع من شأنه على حساب دوره الريادي نحو مستقبل أفضل. فقد ركز أغلب العلماء والفلاسفة على بنية العقل والاستنتاجات التي تتعلق بمفهوم الموقف والمذهب أو المنهج، والأفعال وبنية الإنسان الذهنية، وما نتج عنها من مفاهيم إرادية تتجسد في الرغبة والانفعال والاختيار والقرار، فتجد الغالبية العظمى في هذه المجتمعات تعارض والقسم الآخر يبارك على مضض لكل ما يدور حولها، كل حسب مقدراته العقلية، وبنيته الأساسية والمكتسبة، ويظهر العقل التوافق والتنافر في آن واحد، ولا شيء محدداً يستطيع الجزم بأن هنا حاضراً ومستقبلاً زاهراً ينتظره العقل العربي في هذا العالم، لأنه لم يستطع الانتماء لهذا العصر بقناعة تامة، بل خضع للاكتمال وهو لازال يراهن على الاختلاف، ويعيش اختصاراً غير واضح، وحالة مكثفة من القصور. وهكذا يتحدد السؤال ضمن شرطين أساسيين لكي يخرج الإنسان من التراكم الذي استعمره طويلاً، فكانت شروطاً روحية ومؤسساتية وأخلاقية وسياسية، ترجع في مجملها إلى العقل، وكيف يمكن الوصول إلى شيء مختلف وغير مفاجئ؟ وكيف نشير إلى سلطة العقل؟ إذن يترتب على الجميع الاحتفاء بهذا العقل، وتنشيط العلاقة بينه وبين الجسد ومن ثم الربط المباشر بالعالم الخارجي، فالحياة متجددة ومستمرة، ولابد من التجانس والانسجام مع المتغيرات التي تستهدف حشد الطاقات، وإلزام الفرد بالحفاظ على التوازن بين التقنية المنتشرة المتزايدة وبين تقنية الروح المتذبذبة وتقريب نسبة التفاوت بينهما من حيث التفاضل والمكاسب والتناقض. ولقد لعبت المستجدات دوراً كبيراً في حياة الناس، فكان اللجوء إلى الإيديولوجيات كمبدأ تعويض وكفاح في غياب مجتمع مدني مثالي وتقبل الأفكار الجاهزة وتنفيذها خضوعاً للعصر، ومواكبة لأفكار العالم، التي تظل بمثابة ملاذ آمن كوضعية موقتة، تكشف عن قناع جميل يخفي تحته وجهاً مشوهاً.