يمثل ابتعاد منتخباتنا السعودية الثلاث الناشئين ،الشباب والكبار عن ألقاب آسيا في كرة القدم، لعقدين من الزمان، أمراً مُقلقاً على مُستقبل الجيل الحالي والأجيال القادمة في مضمار لا يتوقف فيه العالم عن الحركة لحظة واحدة، خاصةً وأن المملكة لديها إمكانات بشرية شابة بنسبةٍ كبيرة واقتصاد قوي تقودها للنجاح في أي مجال، ولكن ينقصها الخطط الاستراتيجية الرياضية في كرة القدم على المدى البعيد ودعمها ومتابعة سير تنفيذها وفق الخطة الزمنية المحددة لها، بدلاً من سياسية الهدم والعمل من جديد والتي ينتج عنها هدر للمال والوقت وتردي في النتائج. وبحمد الله تتمتع المملكة بإمكانات الهائلة على كافة الأصعدة تجعل أي عمل يجد أرضية جاهزة للنجاح تحتاج فقط لمن يخطط برؤى استراتيجية قصيرة وطويلة المدى، لاسيما على المستوى (الصناعة الرياضية) كما يصطلح عليه الآن. فقد أظهرت دراسة بحثية تبوء السعودية المرتبة الثالثة عالمياً من حيث نسبة السكان دون 29 سنة بواقع 13 مليون شخص من الجنسين، وبنسبة 67% من السكان، يمثل منهم 5 ملايين و994 ألف و996 شخص من فئة الذكور وفق إحصائية الهيئة العامة السعودية للإحصاء للعام الجاري 2016م. وعلى المستوى الاقتصادي، فالمملكة ثالث أكبر اقتصاد عالمي في إجمالي الاحتياطيات من النقد الأجنبي في نهاية 2015، الذي وصل إلى 616,4 مليار دولار (2311.5 مليار ريال سعودي) ما نسبته 5.2% من إجمالي الاحتياطيات العالمية، وسبقتها اليابان في المرتبة الثانية بنحو 1.25 تريليون دولار تمثل ما نسبته 10.4% من إجمالي الاحتياطيات العالمية. الاستراتيجية اليابانية غلبتنا على ضوء الاحتياطي المذكور من المفترض أن يكون للمنتخبات السعودية حضوراً قوياً في تحقيق الألقاب الآسيوية مشاركة مع منتخبات اليابان، بعد أن كنا نتقاسم معها الألقاب ونتفوق عليها في حقبة زمنية سابقة، إلا أننا في العقدين الأخيرين تراجعنا، وتقدمت اليابان فتفوقت علينا بفضل الاستراتيجيات طويلة المدى التي سلكتها لتطوير كرة القدم في بلاد (الشمس المشرقة)، وجعلها ثقافة وعلم يُدرس ويطبق في المدارس، وحصل ذلك فقط في عام 1993م باتخاذها أول خطوة لتأسيس هيئة رابطة دوري المحترفين، ويبلغ عدد أعضائها 18 عضواً على رأسها رئيس الهيئة، وهو نائب رئيس الاتحاد الياباني لكرة القدم. ووضعت شروطاً صارمة للانضمام إلى فرق المحترفين، منها: * عقود احتراف لجميع اللاعبين * شهادة مدرب الفريق من المستوى(S)، وهي أعلى شهادة تمنح للمدرب * أن يكون النادي شركة أو مؤسسة محدودة المسؤولية * الحد الأدنى للحضور الجماهيري هو 10 آلاف مشجعا. * عدد الأندية المحترفة في المستوى الأول: 18 نادياً * عدد الأندية في المستوى الثاني: 22 نادياً * أعلى سعر للاعب المبتدئ (18- 20 سنة) 60 ألف دولار * أسعار اللاعبين المحترفين لا سقف محدد لها، وتحدد وفق العقد المبرم بين اللاعب والنادي. تطور وتفوق للكرة اليابانية أثمرت خطة تطور الكرة اليابانية التي تعتمد على مخرجات المدارس المحلية، عن إنجازات كبيرة، حيث استضافت كأس العالم مع كوريا الجنوبية 2002م، وعلى مستوى منتخب الناشئين، كان الصعود إلى الدور ربع النهائي في كأس العالم 1993م و2011م ووصول (الساموراي) إلى نهائي كأس آسيا 3 مرات والفوز بها مرتين، وعلى صعيد منتخب الشباب صعوده إلى المباراة النهائية في كأس العالم 1999م ووصوله إلى نهائي كأس آسيا 7 مرات والفوز به مرة واحدة، أما المنتخب الأول فقد وصول إلى دور 16 في كأس العالم عامي 2002 و2010، كما وصول إلى نهائي كأس آسيا خمس مرات، وفاز بالكأس أربع مرات. بريك: تفوق اليابان بالمدارس والجامعات وحول هذا التفوق يؤكد نجم المنتخب السعودي وقائد نادي الاتحاد السابق والمدرب الوطني سعد بريك، أن تطور الكرة اليابانية أعتمد على الاهتمام بالقاعدة الأساسية في تفريخ اللاعبين من المدارس والجامعات والحواري، من خلال تنظيم بطولات رسمية، ولهم ممثلون في هيئة رابطة المحترفين، وأما نحن فقد تراجعنا بسبب تفرغنا لأمور شكلية أكثر من الأمور الفنية والعيش على الأمجاد السابقة وإغفالنا عن الاهتمام بكرة القدم في المدارس والحواري والتي في السابق كنت واحداً منها وزملاء كثير في المنتخبات السعودية شهدت بدايتهم منها وحققوا نجومية كبيرة. رحيمي: الاحتراف لدينا فلوس وليس فكر المحلل والناقد الإعلامي الدكتور مدني رحيمي، أشار إلى أن المنتخب البرازيلي غاب عن تحقيق لقب كأس العالم 24 عاماً منذ لقبه الذي حققه عام 1970م وعاد في عام 1994م وذلك بفضل تلافي الأخطاء والعمل على التنظيم التكتيكي في المنظومة الرياضية ككل، لدينا في السعودية بكل أسف الاحتراف هو دفع فلوس، ويفتقر بقوة للفكر الإداري الناضج، فاللاعب السعودي تأسيسه غير صحيح ويفتقد لأبجديات كرة القدم، والمدرب الوطني لا يحظى بالتطوير وإن حظي لا يجد الفرصة الكاملة والدعم الكافي. وأضاف لاعب الاتحاد ومديره السابق رحيمي بقوله: بأن ضعف الأندية يؤثر على المنتخب، فأنديتنا بعيدة عن تحقيق لقب آسيا منذ عام 2005م، وهذا يؤكد بأن هناك خلل كبير في الأندية مما ينعكس على المنتخب بشكل طبيعي، كما أن الكفاءات الإدارية في الأندية تأتي مجاملة وهذا غلط في غلط. وطالب في ختام حديثه القائمين على الرياضة بأن يجتمعوا مع الراغبين في شراء الأندية الرياضية حتى يعرفوا توجهاتهم وفكرهم قبل اتخاذ قرار البيع لهم حتى لا تسقط أنديتنا وتتأثر منتخباتنا، خاصةً وأننا في الآونة الأخيرة أستبشرنا خيراً بخطوات وتنظيمات من شأنها أن تزرع الأمل لمستقبل مشرق للكرة السعودية. العويران: التشبع ومقدمات العقود الضخمة أكد نجم المنتخب السعودي ونادي الشباب السابق سعيد العويران، أن التشبع المادي والإعلامي اللذين يعيشهما اللاعب السعودي عامل سلبي في ظل وجود مقدمات العقود ومرتبات ضخمة مقارنة بحجم ساعات التدريب للاعب. وأضاف: الاختلاف في الفكر وقلة الساعات التدريبية للاعب السعودي من الأسباب الرئيسية في عدم تحقيق المنتخبات السعودية لكأس آسيا، فاللاعب السعودي يتدرب ساعة ونصف أو ساعتين وفي دول اليابان وكوريا الجنوبية يتدرب اللاعب من 6-8 ساعات وبوجود طاقم تدريبي فني ولياقي ومهاري، ومن أسباب التطور أن يكون هناك العامل المشترك بين عقلية المدرب وتجاوب اللاعب مع الفكر التدريبي. العقيلي: اللاعبين الجاهزين أهمل الفئات السنية يؤكد الحكم الدولي السابق وعضو لجنة الحكام الرئيسية المحاضر يوسف العقيلي، أن الأندية فهمت الاحتراف وتعاملت معه بطريقة خاطئة، حيث ينقصها كثيراً من المعطيات الأساسية للتعامل العلمي والمثالي مع الرياضة ومفهومها الحقيقي، كونها ركنت ابعد إقرار الاحتراف بنسبة كبيرة إلى جلب اللاعبين الجاهزين بحثاً عن نتائج فورية، وأهملت الفئات السنية كالشباب والناشئين التي تغذي المنتخبات، مما أثر بشكل تدريجي عليها حتى وصلنا لتلك المرحلة وتجرأت علينا المنتخبات بصورة ملحوظة بعد أن كان لنا هيبة من الجميع وضعفت حظوظنا في المنافسة وكسب البطولات. الدعيرم: تحفيز الأندية بمدربين أكفاء كشف المدرب الوطني ومكتشف المواهب الكروية فيصل الدعيرم، أن عدم اهتمام الاتحاد السعودي لكرة القدم بمنح الفرصة لمدربين أكفاء يحلمون سيرة ذاتية قوية أطاح بآمال وتطلعات منتخباتنا الوطنية وحتى على مستوى الأندية نجدهم في الفئات السنية وبدون شهادات تدريبية عالية، فيتطلب على اتحاد القدم أن يطلب ملف أي مدرب تتعاقد معه الأندية لكافة الفئات السنية ومن ثم الموافقة عليه واعتماده إذا كان جيداً مع تكفل اتحاد القدم بجزء من مرتباته كنوع من الحافز للأندية ودعم للمدرب الوطني الذي هو سيعمل على تخريج مواهب للكرة السعودية. الحارثي: التغيير الدائم أضر بالأخضر كشف مهاجم الفريق الأول لكرة القدم بالنادي الأهلي الصاعد وهدافه الأولمبي محمد الحارثي، أن عدم الثبات على تشكيلة معينة للمنتخب الأول في مشاركاته المتتالية والتغيير الدائم أضر كثيراً بالمنتخب وساهم في نتائج عكسية من خلال عدم الاستقرار وهو ما يُميز المنتخبات الناجحة، فمن خلال المعسكرات نجد التقارب بين اللاعبين والود والتناغم وفهم كل لاعب طريقة وأداء الآخر ولا يمنع انضمام اثنين أو ثلاثة بشكل تدريجي. الزهراني: تهاوي خططنا التطويرية أرجعنا للخلف أوضح الكاتب الصحفي والناقد الإعلامي علي الزهراني، أن غياب المنتخبات السعودية عن تحقيق أي إنجاز قاري منذ عام 1996م، يعود أسبابه إلى نظام الاحتراف وتهاوي الخطوات التطويرية الصحيحة لكرة القدم السعودية، والتي غابت في ظل الاعتماد على تصورات إدارية خاطئة ركزت على جلب اللاعبين الأجانب، وتناست الأدوار المهمة التي تُعنى بأهمية تمتين قاعدة النشء وصقلها بما يسهم في بناء الانسجام الفني المترابط بين القطاعات السنية وتدرجها، وصولاً إلى المنتخب الأول، وإلى جانب ذلك تأتي البيئة الرياضية الإعلامية كسبب مباشر ذلك أن هذه البيئة صنعت وجهاً آخر للتعصب مما كان له أكبر الأثر في تمزيق الروح الحماسية للاعبي المنتخب حيث أن أهمية النادي المفضل وصبغة ألوانه طغت على المنتخبات مما أوجد الاحتقان الجماهيري والعداء التعصبي بينها فجاءت الانعكاسات سالبة على وضع اللاعب السعودي في المنتخب، وسبب أخير ومهم وهو التهاون وجوانب القصور الإداري بين الأندية وإدارات المنتخبات والتنسيق المشترك على رسم خارطة عمل محترفة لضمان مسيرة المنظومة الرياضية. وأضاف الزهراني بأنه علينا الاستفادة المثلى من تجارب الكرة اليابانية وطرق تطورها السريع قارياً هو ما يجب أن نأخذه بعين الاعتبار، كما علينا كذلك التصدي لحال الإعلام الرياضي والإسراع في كبح جماع المتعصبين الذين باتوا يديرون دفته عبر البرامج الرياضية بحثاً عن الشهرة المزيفة التي أفرزت الفوضى وبعثرت طموحات اللاعب وأثرت على الموهبة وهذه في اعتقادي مسؤولية عليا يجب أن تكون من ضمن تغيرات التحول الوطني ورؤيته. الحربي: قلة المواهب في الخانات لاعب نادي الأنصار لدرجة الأولمبي الكابتن نواف جمال الحربي، يؤكد بأن الاهتمام الزائد من قبل الأندية بتحقيق البطولات وجلبهم للاعبين أجانب ساهم بشكل كبير في عدم وجود كمية كبيرة من اللاعبين المميزين في الخانات المهمة، فكم من بطولة خرجنا منها بسوء اختيار مهاجم يفتقر لأبسط المقومات التأهيلية في كيفية التعامل مع بعض الهجمات مما يضيع جهد فريق كامل، وينطبق ذلك على حال الدفاع والوسط لدينا، ففي السابق كانت الأندية تعج بصانعي اللعب المميزين والمهاجمين ونتيجة لذلك حققنا بطولات وتأهلنا لاستحقاقات دولية، هذا يدعونا للاهتمام بشكل فعلي وجدي بمسابقات الفئات السنية وتسليط الضوء على المواهب البارزة فيه من خلال صقل مواهبهم وفق آلية تضمن نجاحهم بشكل تدريجي. الحمدان: أسباب كثيرة لابتعاد صقورنا الخضر أوضح نجم نادي الشباب السابق ومدرب نادي حطين الحالي الكابتن عبدالرحمن الحمدان، أن هناك أسباب كثيرة لابتعاد الصقور الخضر عن ألقاب آسيا تتمثل في عدم التخطيط بعيد المدى وكثرة تغيير المدربين وعدم الاستقرار الإداري والخوف من الإعلام وانعدام الرؤية لدى المسيرين للعبة بالاستعجال على النتائج وعدم البناء الصحيح للمنتخبات الوطنية والمجاملات على حساب المنتخبات الوطنية من خلال الاختيارات الخاطئة للمدربين الغير مؤهلين بشكل عالي جداً، والإداريين الذين يفتقرون لأبسط آليات العمل، وكذل سوء في عملية اختيار اللاعبين وتوظيفهم بشكل خاطئ، وعدم وجود متابعة للأندية الصغيرة التي تعتبر مركز لصناعة وإنتاج المواهب، وسبب أخير وهو قلة الإعلامي الإيجابي الذي ينتقد بطريقة علمية صحيحة. الشيخي: التغيير الإداري وغياب الكشافين يؤكد مدير المركز الإعلامي بنادي الأهلي السابق والكاتب الرياضي محمد الشيخي، أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية في البعد عن كؤوس آسيا، تتمثل في ضعف مخرجات الأندية وقلة المواهب، وغياب الكوادر التدريبية المحترفة، وعدم الاهتمام الإداري بالفئات السنية والتي بدورها انعكست سلباً على المنتخبات. وتعود هذه الأسباب إلى التغيير الإداري المستمر في الأندية وتركيز الإدارات على الصرف المادي على الفريق الأول ومحترفيه والأجهزة الفنية، واقتصار الطموح على تحقيق بطولات وقتية دون الاهتمام بالقاعدة وتصعيد العناصر الشابة في الوقت المناسب، مما أدى إلى تسرب المواهب واندثارها مع الوقت دون أن تأخذ فرصتها. وأكمل: غياب الكفاءات التدريبية المتخصصة والمدربين الكشافين، مثلما كان سابقا عندما كان هناك مدربون كبار مكتشفون مثل بروشتش وغيره من المدربين أصحاب النظرة الفنية الثاقبة، قلل ظهور المواهب، ولعل ما يحسب لاتحاد كرة القدم في الوقت الحاضر، تأهيل المدربين الوطنيين والتركيز على الفئات السنية بدليل نتائج المنتخبات الجيدة، وتأهل منتخبنا للشباب لنهائيات كأس العالم مقارنة بالسنوات الماضية، علاوة على مبادرات بعض الأندية بإعطاء الفرصة للمواهب الشابة في فرقها الأولى وهو مؤشر جيد لتغيير نظرة الإدارات للفئات. وصفي: استثمار مواهب الحواري يؤكد لاعب حواري فريق الفيصل بجدة مصعب وصفي، أن تتطور المنتخبات المنافسة بشكل ملحوظ من خلال كمية اللاعبين المحترفين في الدوريات العالمية ساهم في عدم تحقيق الأخضر لكأس أمم آسيا، إضافةً إلى عامل عدم تطوير واستثمار المواهب الكروية في الحواري على غرار مايحصل في البرازيل من اهتمام بفرق الأحياء وتوفير الإمكانات المناسبة لهم. وطالب بتبني مشروع وطني للتطوير المواهب وإرسال الموهوبين لخوض تجارب تدريبية في الأندية العالمية خلال فترات زمنية محددة للاحتكاك وكسب الخبرة والثقافة الرياضية والفكر الكروي، كما أن اتحاد القدم عليه دعم الأكاديميات الرياضية وتحفيزها، فعلى سبيل المثال، علينا نستفيد من الخطة التي وضعت لتطوير كرة القدم في دولة ألمانيا على صعيد الأندية والمنتخبات وما شاهدنا من تطور ونتائج للكرة الألمانية يدعونا لذلك.