لديك دراسة حول مشكلة مجتمعية ما؟ أو مشكلة فساد، بمختلف أنواعه المؤسساتي أو المالي، الموضوع لا يستدعي كل هذا التعب والرصد والسهر لتحليل الأمر وتحديد المشكلات، ثم اقتراح الحلول. وفي هذا المقال، سنمر مروراً سريعاً على الحل الأعظم الذي استهلكناه حتى أصبح مبتذلاً لا يلقي له السامع بالاً. (الوازع الديني): إنه ترمومتر التحليل لكل مشكلة أسمع أو أقرأ عنها لدينا، فإذا ما كانت المعوقات لشيء ما تم حصرها، فإن الوازع الديني حمال الأسية يتلقفها وهو صامت، يا لك من حمال للأسية صامتٌ أيها الوازع الديني، ولو قُدر لك أن تتحدث لصرخت في وجوه كل من علقوا فسادهم وأخطاءهم عليك، وقلت لهم: "لقد أخذتموني عذراً لفسادكم حتى غدوت لا يسمع عني إلا في أسطر ونقولات تبرير وجود فسادكم، فيا لتجنيكم عليَّ". حقيقة وأنا أبحث في الدول التي نهضت من الحطام، ومرت بنا وتجاوزَتنا حتى صرنا ننظر إليها بذهول مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا، أقول إنني وأنا أبحث عن تجاربهم وكيف نجحوا في حل هذا الإشكال الرئيسي العظيم في الفساد الذي نتعذر به ضعف الوازع الديني، لم أجد أنهم عملوا ثورة دينية ليخصصوا ثماني ساعات إضافية للمواطنين والمسؤولين في دور العبادة، ولم يكثفوا مناهج الأديان التي يعبدونها في مؤسساتهم التعليمية لمعالجة هذه العلة (ضعف الوازع الديني) المتسببة في كل شيء. لكنني وجدت السبب الرئيسي في نجاحهم في نهضتهم وقدرتهم على محاربة الفساد ليبنوا على أسس سوية دولهم أنهم لم يعلقوا فسادهم على أسباب واهية كما نفعل، فيضيعون الوقت في محاربة ومجابهة سبب صنعوه بأوهامهم ولا يتجاوز قدرته في إحداث الفساد شيئاً يذكر. بالمناسبة، دول أوروبية وآسيوية لا تعاني فساداً مطلقاً؛ بل يعتبر الفساد فيها حالات شاذة تستنفر الدولة بكيانها من أصغر مواطن حتى الرئيس ضد هذه الحالة (المستغربة) في مجتمعهم، أقول عن تلك الدول إن نسبة التدين فيها أساساً ضعيفة جداً، أي أن ترمومتر الوازع الديني الذي نعلق عليه فسادنا وسوءاتنا لا قيمة له عندهم؛ نظراً لقلة اعتناق الأديان أساساً لديهم، وغياب الدين لم يمنعهم من أن يكونوا نزيهين يتحلون بالشرف الإنساني العظيم. في ظل هذا الزخم الكثيف للخطاب الديني في الأماكن العامة، وهذا الزخم الأكاديمي في مدارسنا لعلوم الدين، لا نزال حتى اليوم نعاني من (ضعف الوازع الديني)! لا أعلم لماذا لم يمنع غياب الوازع الديني أساساً تلك الدول التي ليس لديها هذه الحياة الدينية المكثفة التي نعيشها من أن تكون دولاً فاسدة جداً؟ الإجابة تحتاج تجرداً للحصول عليها، وإن لم نكن كذلك، فلْنكتفِ بالإجابة السابقة بأن غياب الوازع الديني هو سبب مآسينا. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.