المواطن _ سعيد مشهور _ أبها غادر الشاب عبدالملك عبدالله الشهري ضحية الخطأ الطبي للمستوصف الخاص للأسنان في محافظة النماص مستشفى عسير المركزي بعد أن قدمت له الرعاية الصحية اللازمة وإجراء عملية جراحية تكللت بالنجاح وهو في تحسن مستمر. المواطن التقت والد الشاب والباحث في مرحلة الدكتوراة عبدالله الشهري الذي شكر في بداية حديثه صحيفة المواطن على متابعتها لقضية ابنه، منذ وقوع الخطأ الطبي وحتى خروجه، وقال إن لديه وقفات يريد أن ينقلها ومشاهدات يود البوح بها، حيث قال: في الإسعاف انتقلت مع ابني من مشفى النماص إلى مشفى عسير على بعد 200 كم تقريباً. وتابع عبد الله الشهري: لأول مرة أركب سيارة الإسعاف ، حيث كنت أسمع صوتها في صغري فأصاب بحالة من الرعب لأن كل من حولي يُحوقِلون ويُرددون الشهادة ويُعبّرون عن قلقهم ، فنشأ معي هذا الشعور ، ترسبت في ذهني صور مفزعة من أيام الطفولة خلّفت آثاراً سيئة على نفسيتي، سيارة الإسعاف ترتبط بالحزن والمرض لذلك يشعر الكثير بالخوف والتوتر والقلق ، لكني اليوم أصبحت مجبراً على ركوبها مرافقاً مكلوماً. واستطرد: أخفيت عن ابني ما أشعر به ، ومازحته رغم أن الدم ينزف منه بغزارة، وقَطَرات كيس الدم المعلق فوق رأسه تصيبني بالدوار ، والطبيب والممرضة والمريض والموت والأحياء في سيارة واحدة ، والسيارة تسير بسرعة رهيبة مع صوتها المرعب ، كانت رحلة طويلة شاقة نفسياً ، أنكرت معها معالم الطريق الذي أعرف تفاصيله. وتابع: اتصلت أثناء الطريق على الطبيب الذي كنت أراجعه وتفاعل معي ، لكن لم يَدُر في خلدي أن أجده ينتظرني في قسم الطوارئ مع الفريق الطبي ، هدأت نفسي وقلقي حين رأيتهم ، لقد سطر موقفاً إنسانياً لا أنساه ما حييت ، علمت من هذا الدرس أن تتعامل مع الناس وكأنك أنت صاحب الحاجة ، لمحت معه بريق أمل في نجاة ابني، ولن أروي تفاصيل الجريمة التي ارتكبها طبيب الأسنان فقد سارت بها الركبان ، وننتظر النتائج التي مازالت جارية . إلا أن والد الشاب راودته مواقف وخواطر أثناء المرافقة في المشفى ومنها: التمريض: الشعب الفلبيني لا نستطيع مكافأته على ما قدم لنا في جانب التمريض ، يقدسون العمل مع تواضع عجيب وابتسامة لا تفارقهم كأنهم خُلقوا من أجل التمريض ( الله يبقّي لنا فيهم ) . وقد شاهدت ما يثلج الصدر من مهارة وإتقان وانضباط واهتمام من الكوادر السعودية مع سهولة التواصل من حيث اللغة وفهم احتياجات المريض . هياط الزوار: زيارة المريض من الآداب الرفيعة التي حث الإسلام عليها وجعلها من أولى حقوق المسلم على أخيه المسلم , بل ومن سبل التأليف بين القلوب .. أحيانا تتحول إلى ميدان للمفاخرة والطيش ورقة الدين ومما رأيته ، أن يأتي الزوار ويفترشوا الفرش الطويل أمام مدخل المشفى أو قريباً منه وفناجيل القهوة والشاي و صحون الأكل ، غير مُبالين أن هذا الموقع مرفق عام لا يحق لأحد احتكاره أو مضايقة الناس في طرقاتهم والممرات أو غرف الطوارئ أو الإنعاش وكأن مريضهم من شعب الله المختار وبقية المرضى ليسوا بشراً محترمين . النفقات والتشغيل: أخبرني أحد المسؤولين أن أعداد العاملين في مشفى عسير بالآلاف ما بين طواقم طبية وموظفين ، كوادر تتعاقب وتتابع ، هموم وآلام تنتظرهم ليرسموا البسمة على الشفاه ، ينتظرون أسباب الشفاء والأمر من قبل ومن بعد لله ، ما أعظم الأمانة وما أثقلها ، وهنيئاً لمن أخلص واحتسب الأجر في هذه المهنة النبيلة . وفي الوقت ذاته كم تبذل حكومتنا الرشيدة من جهود متسارعة لمواكبة ما يشهده العالم من تطور في الخدمات الصحية ، وتوفير خدمات صحية تلبي احتياجات المواطنين ، عبر منظومة متكاملة من مراكز الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات ، والمراكز الطبية المتخصصة. طوارئ مستشفى عسير تذكر بالآخرة: كم من حالة رأيتها ما بين ميت ومصاب ، رأيت من فقد حواسه أو بعضها ، رأيت كبار السن يستغيثون وأطفالاً يتفطر لهم القلب ونساء حبس الحياء آهاتهن وشكواهن.. من أراد أن يبحث عن قلبه فسيجده هناك .. ما أضعف الإنسان ولو صعد إلى عنان السماء! طُلب مني توفير ثلاثة متبرعين بالدم ، أظلمت الدنيا في وجهي ، والحيرة أسكتتني ، كيف تفاوض شخصاً في دمه ؟! ولست متفرغاً لذلك أصلاً فلدي ما يشغلني فولدي يوشك على الموت أمامي وتابع والد الشاب قائلاً: كنت أعلم أن الفضلاء والكرماء في كل اتجاه !! بادرني شخص لا أعرفه وقد شاهد علامات القلق في وجهي ، رق قلبه لمنظر الابن وهو ينزف ، فبادرني قائلاً: أنا جاهز للتبرع ولا تقلق ! ووجه عبدالله الشهري رسالة للمواطنين قائلاً: إخواننا في المستشفيات على الأسرّة البيضاء بحاجة ماسة إلى أن نجود لهم بدمائنا من غير مسألة أو منّة ولعل ذلك يدفع عنا من السوء الكثير ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.. وأخذت على نفسي أن أتبرع كلما سنحت الفرصة ، لا سيما أن المتبرع بالدم ينعكس ذلك إيجاباً عليه ويكون سبباً في تنشيط الدورة الدموية، وكذلك التقليل من احتمال الإصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين. وختم والد الشاب بقوله: اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان والصحة والعافية ، ووفق خادم الحرمين الشريفين وأعوانه وكل مسؤول لكل ما فيه صلاح البلاد والعباد.