×
محافظة المنطقة الشرقية

شعر وموسيقى في ليالي الدمام

صورة الخبر

قال المرشد التربوي بعد أن عاين ابني الصامت دائماً في المدرسة بسبب ما اعتقدنا أنه خجل مرضي: «الخجل نتيجة. نحن نباشر باستئصال المسبّب، والمسبّب هو الخوف». الخوف إذاً هو الهدف الذي بُذلت جهود كبيرة للحد منه، بعد المتابعة اليومية والأسبوعية مع المرشد والمدرسة، لمراقبة أداء الطفل وتقويم مدى استجابته واكتسابه الجرأة المطلوبة. إنّها المسبّبات إذاً، المحجوبة دائماً والتي لا نعيرها أهمية، في مجتمع يتتبع العثرات، ويشهّر بها. العثرات التي تتّسع مع الوقت وتبدو في ازدياد مدهش. العثرة عقدة غير مستعصية، وألم يمكن التخلص منه. الخجل، انعدام الثقة بالنفس، الخضوع، الذل، كلها عثرات، الجوع العاطفي عثرة أيضاً، شعور موجع وأليم، وأزمة نفسية تتربّى في دواخلنا، وتكبر مع عمرنا. تُشظّينا، وتجعلنا في مهب الشبهات. تشكّلنا طُعماً يسير المنال بأيدي الاستغلاليين الذين يترصدون ضعف الآخر ليحوّلوه ضحية بائسة مهمّشة ذاتياً ومجتمعياً. الجوع العاطفي مأزق قابل للمعاينة والتحليل. إنه ينمّ عن طاقة كونية أُسيء توظيفها. وأقول للمستسلمين لذلك الشعور القاتل: غالبيتنا جرّبت لعبة القفز على الحبل أيام الطفولة، إلا أنّ القلّة منا من جرّب القفز عن احتياج محدد لأحد من البشر، فهل جربنا أن نقفز فوق واقعنا قفزة تفوق مخيّلتنا؟ قليلون الذين غامروا، هم الأكثر استمتاعاً في الحياة، لأنهم تذوّقوا طعم الانعتاق من ألم العبوديّة. الجوع العاطفي تسوّل مرفوض، سببه الخوف من إشباع الرغبات. الإنجاز رغبة. وممارسة هواية معينة رغبة. واختيار المهام اليوميّة رغبة. والتعبير الحرّ رغبة. وكتم تلك الرغبات خوف مرفوض أيضاً. هذا الخوف يولّد الإحبــاط، ويجـــعلنا محــاصرين في قوقعة تزيدنا احتياجاً الى الآخر، فنلجأ الى شحذ العاطفة (نبدأ بالبحث عن الحب، عن أحد يمنحنا الحب) لأن الحب يحفّز أدمغتنا بالفرح بالنشوة، فنبدو أحياء نتنفس اكتفاء موهوماً. نعم موهوم ذلك الشعور المَرَضي، لأن الحقيقة مغايرة تماماً. يجب علينا أن ندقّق أكثر، فهذا الاكتفاء الموهوم سرعان ما يتلاشى لأنه غير قائم على أسس حقيقية. إنه قناع لحقيقة نخشى المسّ بها. هذه الحقيقة هي نحن. هويتنا الحقيقية التي نكبت تفاصيلها مداراة الخائف. إنها حقوقنا التي يجب أن نمارسها من دون استئذان. إنها النار التي توقد فينا النشوة الأبديّة. نعم النشوة الأبدية التي لا تــــفتر مع الــوقــت ولا تبــوخ، وحــدها تستحق أن نضــحّي لأجلها، وأن نعــيد قراءة إمكاناتنا، ونتيح لقدراتنا فرص الإبداع. الجوع العاطفي يختفي إذا ما امتلأنا وتحرّرنا من خوفنا وانشغلنا بتحقيق جميل أحلامنا. عندها فقط نكون، ولن نكون أبداً في دوائر الاستئذان. ولماذا لا نكون أحياء على قيد الحياة؟