سجل ائتلاف اليمين الحاكم في البرتغال انتصارا في الانتخابات النيابية في 4 اكتوبر 2015 حيث راهن الناخبون على الأمن، إلا أن المراقبين لا يتوقعون عمرا طويلا للحكومة نتيجة سياسة التقشف التي تتبعها ومناهضة المعارضة لها. ويعتقد أن أزمة البرتغال يمكن أن تتجاوز الحجم والتأثيرات المحتملة، حيث ان الجزء الأكبر لازال مختفيا تحت الماء. كما ان اصداء الدراما اليونانية في معالجة مديونيتها لازالت قريبة من الذاكرة الاقتصادية والتي تمثلت بفرض سلسلة طويلة من الاجراءات التقشفية التي افقدت اليونان القدرة على النهوض الاقتصادي وتركت آثارا سلبية على المجتمع. هذان المثالان يعكسان صورة لدول من الإتحاد الاوروبي المثقلة بالمديونية، ولكن يحملان في نفس الوقت تساؤلات عديدة أهمها: هل ان أزمة المديونية يمكن ان تشكل سببا لترابط أم تفكك أوروبا؟ أو هل يمكن أن يكون لأزمة اليورو دورا في نفس هذه الفرضية؟ أم ان السببين يجتمعان معا في مصير هذه المجموعة الدولية؟. بعد مرور اكثر من خمسين عاما على توقيع تأسيس المجموعة الأوروبية الاقتصادية في روما، لازالت هناك مشاكل باقية دون حل، بل جرّت إلى أزمات مالية كثيرة غطت الفترة الزمنية بين 2008 و2010. واظهرت مشاكل اليورو كمكون لسوق تجارية موحدة تتعامل بعملة واحدة ونواة تنظيم اتحاد سياسي اقتصادي لدول اوروبا، إلا أن النتائج المعاشة تبرز أن هذه السوق غير موحدة وتسير بعدة سرعات نتيجة القدرة التنافسية والتطور التكنولوجي في عصر يعيش عصر الأزمات المعولمة. كما لازالت الازمة الاقتصادية التي اندلعت منذ 2008 تلقي بظلالها على جميع دول اوروبا دون تمييز، سواء في ضعف الموازنات العامة وهشاشة في صناديق التأمينات الاجتماعية، إضافة إلى نمو اقتصادي ضئيل غير قادر على خلق وظائف وبجانب كثافة في الاختراعات الطاردة لليد العاملة. لقد اعطت الأزمة الاقتصادية وخطط انقاذ الدول المتعثرة صورا لمعالم اخرى للقارة الاوروبية تحمل في طياتها طرق وحدود جديدة. احدى هذه الطرق، التميز بين بلاد الشمال وبلاد الجنوب، وبين البلاد الدائنة والبلاد المدينة. إضافة إلى ان هناك حدودا أخرى فاصلة بين كتلة الدول الداخلة في مجموعة اليورو واعضاء في المجموعة الأوروبية في نفس الوقت، وهذه الكتلة هي التي تملك قدرة فرض شروط التفاوض. أما كتلة الدول التي لم تنضم بعد إلى المجموعة الاوروبية، فهي كتلة مجبرة على قبول قرارات قاطعة عن المستقبل الاوروبي دون ان تشارك في اصدارها، أي ان الشروط والقرارات قد حددت مسبقا. واخيرا هناك حدود جوهرية أفرزتها الانتخابات في البلاد المدينة وادت إلى توتر في بناء المشروع الأوروبي، حيث حصدت دعوة التقشف للخروج من الأزمة الاقتصادية والمديونية اصوات الصفوة السياسية والاقتصادية، أي جاءت المعارضة من أسفل شرائح وطبقات المجتمع سواء في اليونان أو البرتغال او غيرها من دول أوروبا ضد سياسة التقشف الالمانية - الاوروبية التي ستقود إلى تراجع في اساسيات معيشتهم. ان هذه الاحداث قد جعلت من هيمنة بعض المتخصصين الماليين والاقتصاديين ونظرتهم التجارية التي انصبت على انقاذ اليورو عن طريق اختصار وحصر الازمة الاوروبية في ازمة ذات بعد اقتصادي وحيد، واقترحت اخراج اليونان من دائرة اليورو أو البلاد الأخرى ذات الديون او اعلان وجوب ايقاف نزيف الاموال الالمانية او غيرها، دون مراعاة إلى المتطلبات الاجتماعية ودون النظر إلى تكلفتها التي قد تتمثل في التهديد الذي قد يصيب كيان الدولة وانهيار الطبقة الوسطى وتهميش الفقراء. هذه النظرة الاقتصادية الضيقة والمؤدية الى العمى الاجتماعي والسياسي قد تغفل اساسا موضوع وأهداف أوروبا ذات الانفتاح على العالم والحرية والتسامح. كما ان اقتصار الازمة الاوروبية على انها ازمة ذات بعد واحد يتمثل في العامل الاقتصادي فقط، يمكن ان يكون قد سد طرق الحلول أمام أوروبا جديدة قادرة على ايجاد التغيير الجذري ومواجهة التحديات كما يقول المفكر الاجتماعي الالماني أولريش بك في كتابه أوروبا الألمانية: طبيعة جديدة للقوة في ظل الأزمة الاقتصادية.