×
محافظة المنطقة الشرقية

تقنية الأحساء تشارك بجناح تفاعلي في جامعة الفيصل

صورة الخبر

حملت رواية آلن باتون المؤثرة عام 1948 عن بلده جنوب إفريقيا عنوان "ابكِ أيها البلد المحبوب"، حيث كان بلده يبكي بالفعل، وعكست هذه الرواية معاناة أغلبية السود سكان البلد الأصليين في ظل قانون الرجل الأبيض. لكن معاناة سورية تمثل تركيبة مختلفة وأكثر تعقيداً من الثورات والحروب، حتى إن القضايا المطروحة تشمل السؤال: هل تشكّل سورية، أو على الأقل شكّلت، بلداً وشعباً متماسكين؟ لكن مصير شعب يتعرض لظلم عنيف لا شك أنه يندرج ضمن أبرز محاور الحضارة البشرية الأساسية؛ فقد ذكّر هروب ملايين السوريين السنة الماضية إلى أوروبا (وألمانيا بالتحديد) بخروج اليهود من مصر في العهد القديم، حينما توجّه اليهود إلى "أرض الميعاد"، لكن اللاجئين والمهجرين السوريين يريدون العودة إلى وطنهم، إن أمكنهم ذلك بسلام وأمان. ومهما كانت الصراعات (دينية، إثنية، إقليمية، سياسية) التي ولّدت هذه الكارثة البشرية غير المسبوقة في هذا البلد الجديد، يبقَ "ابكِ أيها البلد المحبوب" تشبيهاً ملائماً. مع سقوط حلب في يد قوات الأسد نبلغ لحظة حاسمة، بوصول الكارثة الإنسانية في البلد إلى ذروتها، لذلك آن الأوان اليوم لتضع كل القوى، الشعب السوري أولاً، كما حان الوقت لتبتعد السياسة الأميركية عن درب تدخل موسكو العنيف، وخصوصاً أن الأوان قد فات لخطوة مماثلة، ومع هزيمة الثوار في حلب ومنطقة دمشق، يبقى الأسد بمساعدة الروس في السلطة، على الأقل إلى أن يقرر بوتين خلاف ذلك. وبوتين لا يود أن تتحوّل سورية إلى ليبيا أخرى في الجوار الروسي (منطقة غير مستقرة تسودها الفوضى وتغيب عنها كل أشكال الحكم، ما يجعلها أرضاً خصبة للنوايا الإسلامية)، أما بالنسبة إلى الثوار، فقد يغدو تعلّم كيفية خسارة الحرب المسألة الأهم في مرحلة ما. لماذا؟ لأن الأولوية القصوى يجب أن تكون في هذه المرحلة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشعب السوري، ولا شك أن سورية التي كانت قائمة عام 2011، وإن كانت بالغة السوء في ظل حكم الأسد الإرهابي، انفجرت وتبددت، ولم يعانِ أي مجتمع آخر في الذاكرة الحديثة هذا القدر من التدمير. فات الأوان بالنسبة إلى مئات الآلاف ممن قتلوا، لكن الكثير يمكن إنجازه لمجموعتَين، المهجرين واللاجئين، لأن أولئك مازالوا على قيد الحياة؛ فلا تدعوا الشعب يرحل، بل دعوه يعود، على الأقل مَن يرغب منهم في ذلك، ولكن في مطلق الأحوال، أوقفوا إراقة الدماء. فاقت معاناة الشعب السوري حدها، مهما كان الهدف السياسي وراءها، إذ أخفق تصدي الربيع العربي للأسد، وعلى القوى الخارجية (أصبحت روسيا الأكثر أهمية في هذه المسألة شئنا أم أبينا) أن تعمل راهناً على ضبط انتصار نظام الأسد كي تحد من عمليات الانتقام، كذلك من الضروري أن تنهي القتال في المناطق الأخرى من البلد بإنهائها أولاً القضاء على "داعش"، علماً أن هذه النقطة الأكثر وضوحاً في الاتفاق مع واشنطن وحكومات أخرى مثل طهران، وأنقرة، وبغداد، هذا إذا لم نذكر الأكراد. علاوة على ذلك، من الضروري مساعدة ملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في دول أخرى في الشرق الأوسط وأوروبا على العودة إلى وطنهم إذا رغبوا في ذلك، كذلك يجب مساعدة ملايين آخرين على العودة إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تتولى القوى الكبرى (أو مَن يستطيع ذلك، ربما يشرّع مجلس الأمن في الأمم المتحدة نوعاً من المناطق المحمية) مهمة حفظ السلام، وتفادي عمليات الانتقام من كل الأطراف، وتنظيم عملية إعادة بناء البلد، وخصوصاً تحديد مَن سيشارك في تسديد كلفتها. يحتاج الأولاد السوريون إلى العودة إلى مدارسهم في وطنهم، ومع سقوط حلب، باتت هذه المسألة بسيطة.