كانت أموال العرب والمسلمين تُسْرَق وهم يتجادلون طويلاً حول السرقات الشعرية التي سرقت جهود النقاد القدماء وأبصارهم! وبلغ العجب أن زعم بعضهم أن كل شعر المتنبي مسروق! واستعرضه بيتاً بيتاً ليعيد كل معنى لشعر سابق أو حكمة، أو آراء أرسطو وأفلاطون ولم يكن دافع هذا الناقد خدمة الأدب بل التقعر والحقد والحسد! وسئل المتنبي في مناظرة عن سرقاته المزعومة فقال: (كلام العرب آخذ بعضه برقاب بعض، والمعاني تختلج في الصدور، وتخطر للمتقدم تارة وللمتأخر أخرى، ولا أعلم شاعراً جاهلياً أو إسلامياً إلا وقد احتذى واقتفى، واجذب واجتلب..). وقبله قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لولا أن الكلام يُعاد لنفد). قلت: ولكل شاعر أسلوبه الخاص، ولا شك أنه قرأ آلاف الأبيات وهضمها وبقيت في عقله الباطن ولكن المبدع من الشعراء كالنحلة تمر بمختلف الأزهار ثم تخرج الشهد المصفى، فهل سرق النجل الأزهار؟. قضية السرقات الشعرية شغلت النقاد والبلاغيين، حتى إن الخطيب القزويني وضع لها مصطلحات تشبه كلام الجزارين من سلخ ومسخ.. إلى آخره؟! وإذا كان عنترة - على قدمه - يقول: (هل غادر الشعراء من متردم؟) فإن الصياغة والأسلوب وأصالة الإبداع أهم من المعاني الملقاة في الطريق على رأي الجاحظ.