مالت أسعار النفط الخام أمس إلى الاستقرار النسبي في الأسواق العالمية قبل نحو أسبوعين من بداية العام الجديد الذي سيشهد بدء تطبيق الاتفاق التاريخي الخاص بخفض إنتاج دول منظمة "أوبك" بنحو 1.2 مليون برميل يوميا وخفض إنتاج المستقلين بنحو 558 ألف برميل يوميا الذى من المتوقع أن يسهم على نحو جيد في استعادة التوازن في سوق النفط الخام تدريجيا. وتتعرض أسعار النفط إلى ضغوط واسعة ناجمة عن الصعود الواسع للدولار مقابل العملات الرئيسية، وذلك بعد قرار رفع الفائدة الأمريكية، بينما تلقت الأسعار دعما من تراجع نسبي في مستوى المخزونات النفطية. وتتطلع سوق النفط إلى دور المرشح لمنصب وزير الخارجية الأمريكى الجديد ريكس تيليرسون القادم من القطاع النفطي، حيث كان مديرا لعملاق الطاقة الأمريكي إكسون موبيل، ويأمل كثيرون منه العمل حثيثا على تحقيق الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط ومناطق الإنتاج الرئيسية، من أجل دعم الاستثمارات النفطية خاصة في ليبيا ونيجيريا التي تم إعفاؤهما من خفض الإنتاج بسبب التوترات السياسية وتراجع إنتاجهما كثيرا مقارنة بالسنوات السابقة. في سياق متصل، أطلع محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" - الذي يزور الولايات المتحدة حاليا - آدم سيمنسكي مدير وكالة الطاقة الأمريكية على نتائج اجتماعات "أوبك" الأخيرة خاصة الاجتماع الوزاري في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) والاجتماع مع دول خارج "أوبك" في 10 من الشهر الجاري، حيث أسفر الاجتماعان عن توقيع اتفاقيتين تاريخيتين في فيينا، مؤكدا للجانب الأمريكي أن مشاورات ثنائية مكثفة قد جرت في الفترة التي سبقت الاتفاق، مشددا على أن هذه المشاورات كانت هي الأولى من نوعها منذ عقود. وقال الأمين العام – الذي زار أيضا صندوق النقد الدولي ومركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي – "إنه ناقش مع الجانب الأمريكي تطورات سوق النفط في ضوء الاتفاقيتين التاريخيتين اللتين وقعتا في 30 نوفمبر و10 ديسمبر بين نحو 22 منتجا في "أوبك" وخارجها، مشيرا إلى قناعته بأن الاتفاقيتين كفيلتان بالقضاء على تراكم المخزون الحالي خلال النصف الثاني من عام 2017 ما سيسهم في انتعاش السوق بشكل متسارع. وأكد باركيندو خلال مباحثاته مع الاقتصادييين الأمريكيين المعنيين بشؤون الطاقة أهمية الاستقرار في سوق النفط الخام باعتبارها ركيزة أساسية لنجاح منظومة العمل في "أوبك" ووكالة الطاقة الأمريكية. من جانبه، ثمن مدير الوكالة الأمريكية علاقات التعاون مع منظمة أوبك، معربا عن تقديره لمبادرة منظمة أوبك لزيارة المؤسسات والمنظمات المعنية بالطاقة في الولايات المتحدة، للتباحث في جوانب عديدة منها الأثر البيئي لصناعة الطاقة، منوها بأنه بحث مع أمين عام "أوبك" والوفد المرافق جوانب مختلفة من واقع السوق تضمنت تقويما لعوامل العرض والطلب في العام المقبل 2017. وبحسب تقرير لمنظمة أوبك فقد عقد اجتماع على مستوى "الخبراء" في "أوبك" ووكالة الطاقة الأمريكية، حيث تباحث الجانبان التحديات البيئية التي تواجه قطاع الطاقة وجرى تحليل الوضع الراهن في سوق النفط الخام واتفق الجانبان على عقد هذه اللقاءات بشكل منتظم ومواصلة مثل هذه اللقاءات وزيادة عدد الزيارات الفنية بين الجانبين. وأشار التقرير إلى قيام الأمين العام والوفد المرافق له بزيارة لبنك التنمية الأمريكي في واشنطن، حيث التقوا هناك موظفين من قسم الطاقة في البنك، وقد قدم فريق "أوبك" عرضا عن توقعات "أوبك" لسوق النفط الدولية في العام المقبل. إلى ذلك، أوضح لـ "الاقتصادية"، جوي بروجي مستشار شركة "توتال" العملاقة للطاقة، أن تولي كادر كبير في قطاع النفط وهو ريكس تيليرسون حقيبة وزارة الخارجية الأمريكية يعتبر إضافة قوية إلى السياسات الأمريكية ومزجا جيدا بين السياسة والاقتصاد، حيث يتوقع أن يساعد تيليرسون على تحقيق مزيد في الاستقرار في مناطق الإنتاج الرئيسية في إفريقيا والشرق الأوسط ويدعم ازدهار الصناعة. وأضاف بروجي أن "أوبك" تتحرك بوعي جيد وحنكة متميزة في السوق "فقد بدأت في التركيز على ضم المنتجين من خارج "أوبك" إلى اتفاق خفض الإنتاج وهو ما تحقق بالفعل وبمشاركة جيدة، وعقب ذلك سارع الأمين العام إلى زيارة الهند باعتبارها أعلى الأسواق نموا واستهلاكا للطاقة التقليدية، وقد نجح أيضا في التنسيق معها ثم استكمل المنظومة بالتنسيق مع وكالة الطاقة الأمريكية وتبادل الخبرات الفنية معها". من ناحيته، يقول لـ "الاقتصادية"، أوسكار إنديسنر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، "إن صناعة الطاقة من المتوقع أن تحصل على زخم كبير في ظل تولي إدارة أمريكية جديدة برئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترمب لكنها ستكون من جهة أخرى مقيدة بعض الشيء بسبب المعايير البيئية الجديدة التي تم التوافق عليها في اتفاق باريس لمكافحة التغير المناخي". وشدد إنديسنر على أهمية مساعدة المجتمع الدولي في تأمين المنشآت النفطية خاصة في ليبيا ونيجيريا اللتين فقدتا كثير من إنتاجهما بسبب الاعتداءات المتكررة، مشيرا إلى أن "أوبك" تساند بشكل جيد خطة التعافي في هاتين الدولتين المهمتين بحرصها على منحهما إعفاء من خفض الإنتاج وإتاحة الفرصة لهما لزيادة الإنتاج واستعادة مستويات جيدة نسبيا مقاربة لمستويات الإنتاج السابقة. من جانبه، قال لـ "الاقتصادية"، سباستيان جرلاخ رئيس مجلس الأعمال الأوروبى، "إن سوق النفط الخام مقبلة على مرحلة جيدة من التوازن مع بدء تطبيق اتفاق خفض الإنتاج بعد أسبوعين، وسيسهم ذلك على نحو كبير في استعادة مستويات أسعار جيدة ومتوسطة ربما تتجاوز 60 دولارا للبرميل". وأشار جرلاخ إلى أن التوقعات تذهب إلى حدوث انتعاشة مقابلة في إنتاج النفط الصخرى، لكنها وحسب تقديرات أغلب المنتجين التقليديين لن تؤدي إلى تكرار سيناريو عام 2014 لأن الأسعار ليست مغرية مثلما كانت في النصف الأول من عام 2014 حيث تجاوز سعر البرميل مائة دولار. من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، فقد استقرت أسعار النفط أمس وسط توقعات بشح وشيك في السوق عام 2017 بسبب تخفيضات الإنتاج المزمعة بقيادة "أوبك" وروسيا، وذلك بعد تراجعات حادة في وقت سابق إثر رفع الفائدة الأمريكية أمس الأربعاء، الذي أدى إلى نزوح المستثمرين عن السلع الأولية. وبحسب "رويترز"، فقد ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت العالمي ثلاثة سنتات عن الإغلاق السابق إلى 53.93 دولار للبرميل، وتراجعت العقود الآجلة للخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط دولارا إلى أدنى مستوى للجلسة عند 50.03 دولار للبرميل. وقال بنك "ايه.إن.زد"، "إن أسواق النفط ستنتقل إلى عجز كبير في الربع الأول من 2017 إذا مضت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، والمنتجون الآخرون بقيادة روسيا في تخفيضات الإنتاج التي أعلنوها البالغ حجمها نحو 1.8 مليون برميل"، وأضاف البنك أنه "من المرجح أن يدفع هذا أسعار النفط إلى أعلى بكثير من 60 دولارا للبرميل أوائل العام المقبل".