الدمام: إيمان الخطاف بادرت سامية أحمد، وهي سعودية تعمل في القطاع الخاص، بالاتصال على زوجها، فور استنشاقها رائحة غريبة تنبعث من إحدى شقق العمارة التي تسكنها، وهو ما جعل زوجها يعود إلى المنزل هلعا، ظنا منه أن هذه الرائحة ناتجة عن مادة «فوسفين» السامة التي يدور الجدل حولها أخيرا في السعودية، ليكتشفوا لاحقا أن الرائحة كانت ناجمة عن إحدى مواد التنظيف القوية التي جرى استخدامها في الشقة المجاورة لهم في البناية. وحالة سامية تشبه حالات أخرى تتناقلها هذه الأيام المجالس السعودية في أحاديثها، جراء حالة الذعر التي أصابت الكثير من الناس بعد انتشار فيلم وثائقي يتقصى الحقائق حول المادة التي أدت إلى وفاة العشرات في السعودية تحت اسم «فوسفين»، الأمر الذي جعل ذلك يتحول لدى البعض إلى ما يشبه «الفوبيا» أو الخوف الشديد من الوقوع في فخ استنشاق هذه المادة السامة. ويوضح الدكتور جمال الطويرقي، استشاري الطب النفسي في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، لـ«الشرق الأوسط»، أنه نتيجة ظرف معين، ومع كثرة تردد الأخبار المخيفة يُصاب شريحة من الناس بما يسمى «الفوبيا»، وهذا يتحدد بحسب الموقف الذي مروا به. ويضيف: «الكارثة أن كثيرا من الجهات الرسمية تنشر أخبارا وقرارات من دون أن تقيّم آثارها النفسية والاجتماعية على الناس». ويتابع الطويرقي قائلا: «نحن نتعامل مع أخبار (فوسفين) وكأن الناس ستموت كلها غدا بسبب هذا الغاز، وهذا أمر خطير!»، وشدد الطويرقي على أهمية التعاطي الإعلامي المبسط والمدروس تجاه الأزمات أو انتشار الأوبئة، مستشهدا بالأحداث التي رافقت أزمة إنفلونزا الخنازير في وقت سابق، مضيفا: «كثيرون عانوا من الوسوسة والخوف نتيجة إنفلونزا الخنازير في حينها، والآن يأتي (فوسفين) ويسبب لهم ذعرا جديدا»، وأشار إلى أن البعض قد يفضل الانعزال والابتعاد عن الأخبار نتيجة لذلك. الأمر الأكثر غرابة أن تدفع حالة الذعر والخوف من هذا الغاز إلى تقديم بلاغات غير صحيحة إلى الجهات الرسمية، وهنا يوضح العقيد علي القحطاني، المتحدث الإعلامي للدفاع المدني في المنطقة الشرقية، أنه خلال الأيام الماضية ورد بلاغ واحد فقط إلى غرفة عمليات الدفاع المدني من أحد المواطنين، مضيفا: «كان المواطن يستفسر عن كيفية التخلص من مبيد حشري لديه يحتوي على مادة فوسفيد الألمنيوم». وتابع القحطاني حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «وجهنا المواطن بالمحافظة عليها، وأن تكون محكمة الغلق، وتسليمها إلى أقرب مركز للدفاع المدني، وبعد ذلك ترسل إلى الجهة المختصة في وزارة الزراعة للتعامل معها». وبالعودة إلى سامية التي تقول، إن هاتفها غرق بالرسائل المحذرة التي تزيد وتكرس حالة الهلع بين الناس. لكنها مع ذلك تجدها فرصة لزيادة الوعي بخطورة المادة، ما انعكس على تعاملها بريبة وحذر مع أي رائحة غريبة مجهولة المصدر. وتخشى سامية أن يتحول الأمر لديها إلى نوع من «الفوبيا»، مشددة على ضرورة منع هذه المادة السامة من التداول في نقاط البيع، وتغليظ العقوبة لمن يبيعها. وربما من الغريب - أيضا - الإشارة إلى أن قضية التسمم بهذا المبيد ظهرت إلى الإعلام عام 2008، أي قبل نحو أربع سنوات، بعد أن توفي طفلان بمدينة جدة جراء استنشاق هذا الغاز السام، لكن الاستمرار البطيء في عدد الضحايا وجهل الكثيرين بهذه المادة، مثل دافعا لإنتاج فيلم «فوسفين» الذي يمثل الشرارة الأولى للجدل الدائر أخيرا. ويتحدث الفيلم عن خطورة مادة الفوسفين السامة، وحاز على اهتمام وتداول كبير في المجتمع السعودي بعد عرضه في مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع الدكتور توفيق الربيعة، وزير التجارة والصناعة إلى التفاعل مع الفيديو الذي يحكي خطورة المبيد القاتل «فوسفين»، ودعا المواطنين للإبلاغ عن أي محل يبيع هذه المادة عبر حسابه على «تويتر». وكانت وزارة التجارة والصناعة أعلنت قبل أيام عن تنفيذها جولات رقابية ميدانية على عدد من المحال التجارية التي تبيع المبيدات الحشرية في مختلف مناطق المملكة، وذلك للتأكد من عدم وجود مبيد «فوسفيد الألمنيوم» القاتل، الذي يصدر عند تعرضه للرطوبة غازا قاتلا يدعى «الفوسفين»، وهو غاز قابل للاشتعال عديم اللون، ويعد من الغازات السامة التي تنتشر بسهولة في كل مكان، وألزمت المحال بتوقيع تعهدات خطية بعدم بيعها، مؤكدة أنها ستواصل حملاتها التفتيشية على المحال، ومباشرة البلاغات في هذا الشأن، ومصادرة جميع الكميات المضبوطة، وإيقاع العقوبات بحق المتورطين. في حين وجه الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز، محافظ جدة، الجهات المختصة من أمانة محافظة جدة، وفرع وزارة التجارة والصناعة بمنطقة مكة المكرمة، والإدارة العامة لشؤون الزراعة بمنطقة مكة المكرمة، وشرطة محافظة جدة، وإدارة الدفاع المدني بجدة، بالقيام فورا بجولات تفتيشية يومية على جميع المحلات التجارية التي تقوم ببيع مادة «فوسفيد الألمنيوم»، إضافة إلى محلات البقالات وبيع الخردوات ومؤسسات النظافة ومكافحة الحشرات، وضبط الكميات الموجودة، وتطبيق النظام بحق من تضبط لديه هذه المواد، وإحالتهم إلى الجهات المختصة، إضافة إلى إغلاق المحل فورا، ما لم يكن يحمل تصريحا من الجهة المختصة بذلك تسمح له ببيع هذه المواد. وأهابت محافظة جدة بأصحاب المحلات التجارية، ومؤسسات النظافة ومكافحة الحشرات، ومكاتب التوزيع والمستودعات والعاملين فيها، بعدم تداول هذه المادة أو بيعها، والمبادرة بتسليمها للجهات المختصة لإخلاء مسؤوليتهم، وإن من يخالف ذلك ستطبق بحقه الأنظمة والتعليمات، داعية المواطنين والمقيمين للإبلاغ عن هذه المواد وعدم التعامل معها، لما تمثله من خطورة بالغة على حياة الإنسان.