الانقسام السياسي في باكستان يتجلى في الصراع بين القيادتين العسكرية والسياسية حول التحكم بنظام السياسة وإدارة الموارد. ومرآته كذلك هي المواجهة السياسية المتواصلة التي تقف وراءها ضغوط الهيئات الأمنية على الحكومة المدنية لتوسيع نطاق سيطرة المؤسسة العسكرية. لكن شطراً راجحاً من نخب القيادتين المدنية والعسكرية يتحدر من إقليم البنجاب. لذا، حجب الخلاف على القوة، إلى حد كبير، خطوط الصدع المتعمقة وابتعاد قوى القوميات الأخرى مثل الباشتون والبلوش والسنديين وأولئك القاطنين في منطقة جلجيت بالتستان، عن نظام الدولة الباكستانية. الوضع في أكبر تجمع حضري في البلاد، اي كراتشي، هو مرآة الإقصاء او الاغتراب الذي يشعر به سكان المناطق الطرفية. فالقوميات الصغيرة همشت في الصراع على القوة والنفوذ. وعلى رغم سعي القوى السياسية الديموقراطية، بمن فيها القوميون الباشتون وقيادتهم، إلى حل من طريق بناء ديموقراطي فيديرالي، والتقدم المحلوظ في الأعوام الماضية، السياسات القصيرة النظر في بعض مؤسسات الدولة الباكستانية فاقمت سوء الأوضاع من طريق سياسات اضطهادية. وثمة ثلاث قضايا بارزة وراء تعميق شعور الباشتون بالاغتراب: 1) السياسة الباكستانية في أفغانستان التي أعدتها المؤسسة الأمنية ونفذتها. وبدا أن مصطلح العمق الإستراتيجي كان عبارة ملطفة لوصف سياسة استعمارية تنتهجها النخب البنجابية المهيمنة في اسلام آباد وتفرضها على الأفغان الباشتون على طرفي خط ديوراند (الحدودي). ومشروع طالبان هو مثال صارخ على هذه السياسة الرامية إلى تدمير الثقافة والروابط الاجتماعية الباشتونية - الأفغانية وتدمير هويتهم التاريخية. والوسائل العسكرية كانت الأداة الرئيسية لإرساء نهج الطلبنة، وشملت عمليات قتل وتدمير على نطاق واسع، وعمقت شعور الباشتون بالإقصاء والاغتراب. وخطة تدمير الدولة الأفغانية كانت محصلتها صفراً من غير رابح، وأحيت العداء الموروث من القرن التاسع عشر بين الأفغان وبين السلطة البنجابية. وتحمّل القوميون الباشتون داخل باكستان نتائج ووزر سياسة القتل «الطالبانية». وفي الماضي، كان القوميون الباشتون يتعرضون للاضطهاد والتعذيب والسجن والنفي، واليوم نشطاؤهم السياسيون هم ضحية الهجمات الإرهابية. ولكن حين أجبر ملايين الباشتون الأفغان من اللاجئين على مغادرة باكستان، انتظرت اسلام آباد ان يقف الباشتون في باكستان موقف اللامبالاة! ومن طريق الانقضاض على تجارة الترانزيت الأفغانية وتهميش التجارة في معبري طورخم وتشمن، ترمي السياسة الباكستانية الى قتل الباشتون اقتصادياً. والقضية الساخنة الثانية للباشتون في باكستان هي مصير المناطق الفيديرالية في منطقة القبائل الباكستانية. والوضع في هذه المنطقة مرتبط بالسياسة الباكستانية في أفغانستان. فمناطق القبائل تئن تحت نظام إدارة موروث من الاستعمار واستمر بعد 70 عاماً على الاستقلال. فشعوب هذه المنطقة لا تتمتع بحقوق. واستُخدمت المنطقة هذه كساحة حروب غير معلنة شنتها باكستان في أفغانستان بين 1980 و 1989، وبين 1994و2001، وبين 2003 و2016. وإثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) سُمح للإرهابيين القادمين من كل أصقاع العالم بإنشاء دولة موازية لهم في المنطقة من أجل دعم طالبان وحربها في أفغانستان. واحتل الإرهابيون المنطقة وحولوها إلى جحيم يعيش فيه الباشتون. وهيمن الإرهابيون على المنطقة من طريق قتل غالبية قادة القبائل المعروفين في المنطقة وفرض نظام إرهابي على السكان المحليين بينما كانت الدولة الباكستانية تغلق طريق الفرار أمام السكان المحليين. في بعض الأحيان، كانت الاشتباكات تقع بين الجيش الباكستاني والإرهابيين، ويكون الضحايا من الباشتون المدنيين. وعملية «الضرب العضب» التي بدأها الجيش في 2014، أجبرت عدداً كبيراً من الجماعات الإرهابية على الفرار إلى أفغانستان، فيما بقيت في منـــأى من الهجوم بعض قواعد طالبان- أفغانستان في منطقة القبائل الباكستانية. التقرير الأخير للجنة الحكومية، وهو الثامن عشر في سلسلة تقارير اصدرتها منذ 1972 للوقوف على قتــــراح ضــم المناطق القبائل الباكستانية إلى ولاية خيبر بخــــتون خوا، خلص الى وجود عراقيل تحول دون ذلك. وفـــي وقت تستمر باكستان في دعم طالبان - أفغـــانستان، تبقى منطقة القبائل مغلقة ويحظر الوصـــول إليها. وعليه، ستبقى جرحاً نازفاً، على رغـــم حـــديث السلطات الفارغ عن التعاطف معها. والقـــضية الثالثة التي يواجهها البشتون (ومعهم الـــقوميات المضطهدة الأخرى) هي إقصاؤهم الاجتـــماعي والاقتصـــادي. وتفتك بمنطقة القبائل ومنـــاطق في خيبر ـبختون خوا وبلوشستان أعلى نســـبة من الفقـــر. والمثالان الحيان على عدم الإنـــصاف في سـياسة الدولة هما حرمان منطقة خيبر بختون خوا من عائدات توليد الطاقة منذ 1992، وهذا مخـــالف للدستور؛ واستثناء الباشتون من الممر التجاري الصيني - الباكستاني. والسلطات الباكستانية يشغلها الصراع على السلطة، وتهمل علاج هذه القضايا. والشبان الغاضـــبون مـــن السياسة التقليدية يجدون أنفسهم مجبـــرين علـــى الاستماع إلى الأصوات الأكثر تطرفاً. * سيناتور باكستاني متقاعد، خبير في الشؤون الإقليمية، عن «نايشن» الباكستانية، 10/12/2016، إعداد جمال اسماعيل