يبدو أن نار ليبيا، التي بقيت تحت الرماد طيلة أكثر من عامين بعد سقوط نظام القذافي ستنبعث، وبدا واضحاً في الأشهر الأخيرة أن الخلافات بين ثوار الأمس، الذين يحكمون البلاد اليوم تتطور في اتجاه التصعيد، ليترك فرار ناقلة النفط الكورية الشمالية من مياه ليبيا الإقليمية، جروحاً في الجسد السياسي والاجتماعي قد لا تندمل قريباً، وقد تدفع إلى حرب أهلية وتقسيم هذا البلد الذي عانى منذ أربعة عقود من نظام القذافي، الذي أعاد البلاد إلى وضعية ما قبل وطنية مفتتاً المجتمع الليبي إلى بنى قبلية وانتماءات اجتماعية ومناطقية، كغيره من الديكتاتوريين العرب من سوريا إلى العراق وغيرهما من بلدان ما أطلق عليه بلدان الربيع العربي. لم تمض ساعات على فرار الناقلة الكورية محل الخلاف بين أقاليم ليبيا، التي بدأت تتعمق بين الشرق والغرب والشمال والجنوب حتى أقيل رئيس الوزراء مُحمّلاً بعبء من المسؤولية ما لا يستطيع أن يحتمله مع سلطة ناشئة لا تملك السلطة ولا السيادة على البلاد في ظل وجود قوى عسكرية وميليشيات، وقوى سياسية تتنافس وتتصارع على مصالح فئوية ومناطقية وقبلية أسس لها نظام القذافي طيلة عقود. وليبيا التي ما زالت تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة أدار لها المجتمع الدولي ظهره طيلة هذين العامين من ولادتها الجديدة، وكذلك فعلت الجامعة العربية، التي نقلت الملف الليبي إلى مجلس الأمن كدليل على عجزها في إدارة ملفاتها القومية، لم يستطع زعماؤها الجدد قيادتها لتأسيس سلطة وطنية جامعة يخضع جميع أبنائها لدستور لم ير النور بعد، ولا لبرلمان ينال ثقة مواطنيه ولا حكومة قادرة على إدارة البلاد في مرحلة انتقالية مفترضة، أو رئيس قوي يقود البلاد، باتت تتقاذفها الرياح مع توسع الخلافات بين قادتها وقبائلها وسياسييها. اليوم وجد الليبيون أنفسهم أمام حقيقة واقعهم، التي تنذر بالتفتت واضمحلال دولتهم فلا مؤسسات ولا سلطات قادرة على الحكم، ما يؤكد فشل إعادة بناء الدولة الليبية المنشودة، لتبدأ بعض الأصوات تنادي بالتدخل الخارجي، أو طلب المساعدة العسكرية من جهات ما، لتعمق بذلك الخلافات بين الأطراف السياسية، ويصبح الاحتكام للسلاح هو الخيار الأقرب بين الليبيين، ما يهدد بالفعل وحدة أراضي البلاد ومستقبلها، فهل يستطيع قادة ليبيا تجاوز خلافاتهم بعيداً عن السلاح؟