لم تكن قمة المنامة التي اختتمها قادة دول مجلس التعاون الخليجي في مملكة البحرين الشقيقة، قمة عادية بل كانت قمة ذات اهمية كبرى نظرا لما تواجه المنطقة من تحديات وظروف اقليمية صعبة تتطلب العمل بجدية من اجل التكامل الاقتصادي والتعاون الدفاعي ثم تعزيز الامن الخليجي، وقد توج هذا الاجتماع مشاركة رئيسة وزراء بريطانيا السيدة تيريزا ماي التي جاءت لتبرز متانة العلاقات الخليجية - البريطانية وتاريخها والبعد الاستراتيجي لها ليكونوا شركاء في مواجهة التحديات العالمية والاقليمية. فقد اثبتت قمة المنامة عمق وصلابة العلاقة ما بين دول الخليج والمملكة المتحدة باعتبارها حليفا تاريخيا عبر الدور الكبير الذي تلعبه بريطانيا في ارساء شأن الامن والاستقرار للمنطقة وللخليج العربي بصفة خاصة، نعم لم تكن مشاركة بريطانيا وليدة الساعة وانما يرجع تاريخها الى مئات السنين في علاقتها الوطيدة مع دول الخليج. ولو نرجع الى الوراء نجد ان دولة الكويت لم تستغن عن بريطانيا وعن دورها المميز في المنطقةـ اذ لدينا اتفاقية حماية تاريخية منذ العام 1899 حين تولى الشيخ مبارك الصباح، الحاكم السابع لدولة الكويت ومؤسس الدولة الحديثة حكم البلاد، وقد واجهت الكويت منذ ذلك الوقت العديد من الاخطار الخارجية ولكن بسبب وجود الحماية البريطانية باءت كل المحاولات العدائية الى الفشل، واليوم جاءت المملكة المتحدة لتؤكد وجودها وترسخ عمق ومتانة العلاقات التاريخية بمشاركتها في القمة الخليجية في وقت تشهد المنطقة الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والامنية، وهذا بالطبع يتطلب الاجماع للتشاور المشترك من اجل الوصول الى رؤية موحدة نستطيع من خلالها مواجهة التحديات والتهديدات الاقليمية. ومن هذا المنطلق، تمت شراكة استراتيجية طويلة الامد في كل المجالات: السياسية والامنية والدفاعية والتجارية، وكذلك علاقات ثقافية واجتماعية لوضع تصور وحلول مشتركة بكل القضايا الاقليمية العالقة، حيث اكد الجانبان اهمية التزامهما في حماية مصالحهما الأمنية والدفاعية المشتركة في منطقة الخليج تقوم على ردع اي عدوان خارجي يمس الخليج العربي والعمل على الرد عليه بقوة، ولاسيما ان الاوضاع الكارثية في المنطقة لا تزال قائمة، والحروب المستمرة في سورية والعراق واليمن وليبيا تجعلنا اكثر قلقاً وفزعاً. والسؤال هنا: كيف سنهزم المتطرفين والارهابيين الذين ما زلوا يمارسون ابشع الجرائم والعنف في حق الانسانية امثال تنظيم داعش والقاعدة وطالبان والحوثيين وغيرهم؟ وكيف سيتم التصدي لانشطة ايران الدفاعية والنووية في المنطقة؟ وكيف سنوقف دمار التفجيرات العشوائية بحق المدنيين في العراق وسورية وتركيا واليمن بسبب الحروب الطائفية؟ وإلى متى يستمر التهديد والارهاب الفكري والميداني في اوروبا واميركا؟ ولماذا يستمر التعنت الاسرائيلي داخل الاراضي الفلسطينية والمزيد من سفك الدماء الفلسطينية؟ نعم، انها اسئلة قد لا نجد الاجابة الوافية لها الا من خلال الاستعداد جيداً لها. الا يفترض بقادة دول مجلس التعاون ان يعملوا جاهدين لفرض حماية دفاعية لامن دولهم واستقرارها بعد كل هذا... نعم، آن الأوان للأخذ بالقرارات الجماعية وعلى رأسها مكافحة تمويل الإرهاب وأمن الحدود من خلال تعزيز الجهود المشتركة الرامية الى تحديد وتبادل المعلومات بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون، خصوصاً في ما يتعلق بالاشخاص المشتبه فيهم وغيرهم، لان الارهاب لا يعرف جنسية وعرقاً وديناً، فيجب ان يعلم الجميع ان امن الخليج «خط أحمر»... لذلك فإن الاتفاقيات الامنية والتعاون العسكري مع بريطانيا من اهم القرارات التي اتفق عليها قادة دول مجلس التعاون في قمة المنامة، وبهذا الدور الايجابي المثمر الذي لعبته المملكة المتحدة أثناء وجود رئيسة وزرائها، نريد ان نشكر السيدة ماي، هذه المرأة الحديدية، التي استطاعت ان ترسخ الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج العربي، مؤكدة ان بريطانيا لن تتردد في مساندة الدول الخليجية والتصدي لأي عدوان في المستقبل، فالقمة المشتركة قد اتت لتضيف ابعادا اخرى للعلاقة التاريخية الوطيدة بين الكويت والمملكة وبين بقية دول الخليج العربي. حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه... alfairouz61alrai@gmail.com