×
محافظة المنطقة الشرقية

هدم العقارات المعترضة لطريق «الجوهرة»

صورة الخبر

تعد الموسيقى من بين أبرز الفنون التي تميزت بثرائها وتنوعها في أساليبها وأغانيها ورقصاتها، وهي بهذا الثراء والتنوع تشكل نتاجاً إبداعياً، فردياً كان أم جماعياً، ليكون حاملاً لجملة من المقومات الفنية التي تعكس الهوية الثقافية للمجتمع المبدع لهذه الموسيقى. ولأن الموسيقى كانت ولا تزال من الفنون التي يميل إليها الإنسان للتعبير عن مشاعره، فهي تكشف أكثر من غيرها من الفنون على ثقافة وفكر مجتمع ما. وبالتالي، فمن البديهي القول بأن الموسيقى هي ممارسة تعبيرية تزخر بمعان وصور وأحاسيس ساهم في إبداعها الإنسان لتكون ذات خصوصية ثقافية مميزة. والموسيقى هي إبداع فني نابع من وجدان المجتمعات وذلك على اعتبار ارتباطها الوثيق بعاطفة ومعتقدات وفكر الإنسان عموماً، ونحن إذ أشرنا آنفاً إلى مبدع الموسيقى بصفته الفردية فإننا نعني بذلك الفرد المنتمي إلى مجتمع ما فينغمس في فكره وعقيدته وثقافته وهو ما يؤدي إلى تشكيل شخصيته الإبداعية التي تنعكس على العمل الفني الذي أبدعه فيتبناه مجتمعه ويداوله ويحافظ عليه. إن الإبداع الفني عموماً يشتمل على الموهبة والقدرة على الخلق والابتكار، وهو يظهر لدى الموسيقيين والممثلين والرسامين والراقصين وغيرهم من الذين يقدمون عملهم الفني في شكل قصيدة شعرية أو لوحة فنية أو مقطوعة موسيقية. وفي مجال الموسيقى نرى أن عملية الإبداع الفني فيها تقوم على جملة من المقومات وهي: (شخصية المبدع) و(العملية الإبداعية) و(النتاج الإبداعي) و(البيئة الإبداعية). شخصية المبدع فأما عن (شخصية المبدع) فنعني بها شخصية الموسيقي التي تكون متضمنة للاستعدادات والمزاج والدافعية والمواقف العاطفية، هذا بالإضافة إلى الذكاء. ومن السمات أيضاً التي يمكن أن تتوافر في هذه الشخصية هو إحساس الموسيقي بالاختلاف عن المحيطين به وفي اعتقادنا أنه دون هذا الشعور لا يمكن له أن يكون مبتكراً أو مبدعاً، كما أنه من الضروري أن تتوافر في الموسيقي المبدع سمة الاطلاع بمعنى أن تكون له خلفية فكرية وثقافية وفنية. العملية الإبداعية وفيما يتعلق بـ (العملية الإبداعية) فالمقصود هنا تلك المراحل التي يمر بها الموسيقي أثناء إنجاز عمله الفني. وبشكل عام، فإن الإبداع الفني يمر بعدة مراحل لدى الفنان المبدع منذ ولادة فكرة العمل وصولاً إلى إتمامه، والواقع أن تقصي هذه المراحل مسألة صعبة تتطلب من أي دارس لها تتبعاً دقيقاً لكل الظروف التي عايشت فترة إنجاز العمل الفني. إن المبدع في المجال الموسيقي لابد له أن يمر بأربع مراحل أساسية حتى يُتِم عمله الإبداعي ويقدمه على مسرح الحياة الثقافية والفنية، وأول هذه المراحل تُسمى مرحلة الإعداد أو التحضير وهو أن تراود الموسيقي في ذهنه مجموعة من الأفكار تكون ضرورية كتأهب لعملية الإبداع، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة البزوغ حيث تبرز فيها فكرة عامة لدى الموسيقي المبدع فتكرر نفسها تلقائياً من وقت لآخر، وبعد ذلك تأتي المرحلة الثالثة وتدعى مرحلة الإشراق وهي مرحلة تصل فيها العملية الإبداعية إلى ذروتها حيث تتضح ملامح الفكرة الإبداعية لدى الموسيقي ليصل بذلك إلى المرحلة الرابعة وهي مرحلة التحقيق والإنجاز والتي تعتبر آخر مراحل العملية الإبداعية حيث يتوصل الموسيقي إلى إنتاج عمله الإبداعي فيكون أثراً فنياً مجسداً في أغنية أو مقطوعة موسيقية آلية أو ما إلى ذلك من القوالب الموسيقية وهذا ما نعبر عنه بـ(النتاج الإبداعي). النتاج الإبداعي يعد (النتاج الإبداعي) أحد مقومات الإبداع الفني وهو يمثل معياراً رئيساً لتقويم العملية الإبداعية وحتى يكون هذا المعيار أساسياً في تقييم الإبداع ككل، لابد أن يكون النتاج فيه جديداً وأصيلاً وذا قيمة لدى المجتمع في الآن نفسه، والجدير بالذكر أن هذا النتاج يكون متصلاً اتصالاً مباشراً بمبدعه شأنه في ذلك شأن النتاج الموسيقي الذي يعكس بوضوح ملامح الشخصية الإبداعية في مجال الموسيقى. البيئة الإبداعية ونعني بها تلك البيئة التي ينشأ فيها المبدع فيأخذ منها مقومات فنية شتى لتولد فيه طاقة إبداعية لا حدود لها. وفي هذا الاتجاه، فإن الموسيقي وفي علاقته بمجتمعه يتأثر بطبيعة ومقومات بيئته الاجتماعية، لذلك يمكننا اعتبار أن المبدع في الموسيقى يكون عرضة لتأثيرات هذه البيئة والتي يمكن تفصيلها إلى ثلاث بيئات وهي: البيئة الطبيعية من مناخ وطبيعة خارجية، والبيئة الاجتماعية من أسرة ومدارس ونظام حكم، وبيئة حضارية ثقافية من تراث وفنون. إن الإبداع في الفن عموماً والموسيقى على وجه الخصوص، لا يمكن بأي حال من الأحوال تحديده أو وصفه، لأن المسألة في اعتقادنا مرتبطة بالفطرة التي خلق عليها المبدع الموسيقي، فهو موهوب وموهبته هذه توجد في حسه وفي بديهيته قد تتضح ملامحها مع مرور الزمن من خلال أعماله الموسيقية التي يمكن اعتبارها المعيار الأمثل لتقصي ملامح الإبداع الفني فيها. لذلك نقول بأن دراسة الأثر الموسيقي على اعتباره نتاجاً إبداعياً تمكننا من الوقوف على مقومات الإبداع الفني ومعرفة طبيعة العلاقة القائمة بين جملة من العناصر وهي المبدع، والتواصل، والآخر، والموسيقى، والأصالة، والتقليد.