المتقاعد... هل أصبح مصدر إزعاج لزوجته بطلباته التي لا تنتهي؟خصوصاً عندما يكون حبيس الدار يتنقل بين قنوات التلفاز الرياضية، وأوامره المتكررة بتشهيه لبعض الطبخات والأطعمة، فتارة كبسة هامور، وأخرى في قاعدته، حتى انتفخت كرشته وضاقت سراويله، وضاق سعة صدره، وتعكّر مزاجه أم هل هو عالة على أهله؟ أم هل يشكل خطراً على الآخرين إذا ما تكرّر خروجه وتنقله بمركبته اليومية صباحاً ومساءً، خصوصاً حينما يقودها ببطء شديد، يترنح بها من مسار إلى آخر، تاركاً خلفه قطاراَ من المركبات، معكراً صفو موظّفي الوزارات والشركات من سياقته! وإذا ما جلس في أحد مقاهي العاصمة، رموه بالمتسكع، وإذا ما تسمّر أمام شاشة إحدى دور السينما، تلقى سخريات المراهقين والمراهقات ووصفوه بالمتشبب، ما يعني أنه يبقى يقضي بقية حياته خلف الجدران أو أن يحوّله أهله إلى عجلة توصيل وخدمات، أو عامل صيانة للبيت، ورعاية لجميع أفراد الأسرة وسط شمس ملتهبة، تعشو فيه ما بقي له من نظر وبصر، أو يسخرونه كخادم تتقاذفه الأوامر والنواهي تارة، والسخرية والاستهزاء تارة أخرى، وبعد طوال الخدمة التي قضاها يركنوه في زاويةٍ من زوايا البيت، فإن كان محظوظاً يمر عليه أولاده وأحفاده يرمقونه بنظرات كأنها تحاكي رجلاً منتهية صلاحيته (أكسباير مان) أو مركوناً في أحد دور الرعاية، لا يحظى بأهمية ولا بلفتة، كقلم رصاص فرُغ منه رصاصاته، بعد أن رسم لأهله دروب ونجاحات وإنجازات، وطحن عمره في سفرات مثّل بلده ودافع عنها ضد منظمات عالمية أو أنه وللأسف أفنى جل حياته في جمع المال باخساً نفسه من ملذات حياته من أجلهم. اليوم... كل مواطن متقاعد لديه رسالة وأمل للناس والمحيطين به، وهي الاحترام والتقدير والاهتمام، ومن الجهات الرسمية كل الرعاية والاهتمام باحتضانه وتعظيم شأنه ودمجه في كل برامج تليق بمستواه، يعد ما قدمه لوطنه طوال سنوات عمره التي قضَاها إما بين عجلات المركبات والشاحنات ينقل الذهب الأسود كالفارس المغوار أو كإطفائي "سوبرمان" في مواجهة لهب النيران اليومية تطارده ذكريات نيرانها ولحظات موته وحياته الجميلة والحزينة. مهدي خليل