المحفوظ فضيلي-الدوحة شهدت الجلسات الأولى من المؤتمر الدولي الثالث حول "الترجمة وإشكالات المثاقفة"، الذي ينظمه بالعاصمة القطرية الدوحة منتدى العلاقات العربية والدولية، نقاشات ثرية اتجهت في أغلبها لمعالجة الموضوع من زوايا الصراع والهيمنة والسلطة التي تتحكم في عملية الترجمة في الكثير من السياقات السياسية والثقافية. وأكد رئيس المنتدى محمد الأحمري في افتتاح المؤتمر على دور نقد ومراجعات الترجمات في إثراء الثقافة العربية والدفع بعملية الترجمة قدما، ليكون الإبداع والإتقان وسلامة اللغة في النصوص المترجمة هدفا يثري تنوع الثقافة العربية وانفتاحها على الثقافات الأخرى. وفي حديث عن "الترجمة أداة للاعتراف"، لم يتردد الأكاديمي المغربي عبد السلام بنعبد العالي في توصيف الكتابة بأنها ساحة حرب وبأن اللجوء للترجمة يكون بهدف بسط السيطرة وانتزاع الشرعية ونيل الاعتراف من الآخر، مشيرا إلى أن الأمر يشمل كتّابا من مختلف العصور والبيئات الثقافية. واستشهد بنعبد العالي بكتاب "الجمهورية العالمية للآداب" لباسكال كازانوفا للتدليل على ما تمور به العلاقات بين اللغات من تراتبية وصراع وعلائق قوة تفضي إلى تصنيفات تضع كل لغة وما يكتبه المتحدثون بها في درجات مختلفة على سلم الأدب والثقافة. محمد الأحمري أكد على دور نقد ومراجعات الترجمات في إثراء الثقافة العربية (الجزيرة) وفيالسياق قال أستاذ الترجمة في الجامعات الإسبانية محمد المذكوري إن الترجمة ظاهرها سلم لكن عمقها حرب في ظل الصراعات السياسية في ظل موجة العولمة وما تستبطنه من نزعات الهيمنة، وعزز أطروحته بنموذج من التاريخ وتحديدا السياق الإسباني إبان فترتي الغزو وإعادة الغزو وما رافقهما من طرد للمسلمين واليهود من البلاد. وفي مرحلة تاريخية لاحقة، توقف الباحث المصري أحمد سالم سالم عند دور الترجمة في ظل الحركة الاستشراقية التي ازدهرت بعد الحملة النابليونية على مصر ومدى مساهمتها الكبيرةفي خلق البيئة المناسبة للمد الاستعماري للعديد من بلدان العالم الثالث. وفي مقابل الحديث عما تنطوي عليه الترجمة من علائق الهيمنة والسيطرة، كانت النبرة السائدة في الجلسة الخاصة ببعض التجارب المؤسسة في الترجمة من العربية للإسبانية والعكس هي الإشادة بدور الترجمة في التواصل بين الثقافات واللغات. وكان أغلب المتدخلين في الجلسة إسبان بينهم مدير البيت العربي في مدريد بيدرو فيليناالذي تحدث عن دور المؤسسة في التعريف بالثقافة العربية باللغة الإسبانية، ومدير مدرسة طيليطلة للمترجمين لويس ميغيل كانيادا الذي أسهب في الحديث عن دور المؤسسة في ترجمة الكثير من الإبداعات الأدبية العربية إلى لغة ثيربانتيس. المؤتمر الدولي الثالث حول "الترجمة وإشكالات المثاقفة" يتسم بحضور شخصيات من مجالات فكرية متنوعة (الجزيرة) وفي حديث عن تجربته مترجما وناشرا عربيا في الديار الإسبانية، تناول عبد الهادي سعدون العقبات التي تعترض مشاريع الترجمة من العربية إلى الإسبانية، وأهمية المشاريع المؤسسية في هذا المجال، مؤكدا أن هناك حاجة مستمرة لتمويل ترجمة الأدب العربي ونشره سواء من جهات خاصة أو حكومية عبر هيكليات ثقافية ومؤسسات تبادل ثقافي. وتتواصل أعمال المؤتمر الدولي الثالث حول "الترجمة وإشكالات المثاقفة" غدا الثلاثاء، وتناقش الكثير من القضايا بينها واقع ومستقبل الترجمة وتأثيراتهما على اتجاهاتها في العالم العربي، وإشكالات الترجمة من خلال نموذجي المفكر المغربي طه عبد الرحمان والمفكر المصري الراحل عبد الرحمن بدوي. كما يتناول المتدخلون في اليوم الثاني دور الدين والسلطة في التعارف والتثاقف بالترجمة، وإشكالات ترجمة المعجم الصوفي والإسقاطات السياسية في الترجمات العبرية الحديثة لمعاني القرآن الكريم، وترجمة التعبيرات الاصطلاحية في الأعمال الأدبية من الفرنسية إلى العربية. وفي مساء اليوم الختامي للمؤتمر سيتم الإعلان عن الفائزين في الدورة الثانية لجائزة الشيخ حمد للترجمة للتفاهم الدولي التي ترميلتكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين أمم وشعوب العالم، وإشاعة التنوع والتعددية والانفتاح وترسيخ القيم السامية.