شخصيا أحب الموسيقى والصوت الجميل، فقد وجدت فيهما ملاذا روحانيا يمكنه أن يأخذني لأماكن أستطيع فيها أن أتجرد من المحيط الصاخب لفضاءات تمنحني القدرة على التفكير والإبداع، والخروج بأفضل ما يمكن لذهني أن ينتجه. أما وقد وضحت موقفي بصراحة من الموسيقى؛ دعوني أدخل في الموضوع، فقد كان للاحتفاليات التي لونت سماء الخليج الأسبوع المنصرم بزيارة خادم الحرمين الشريفين، معنى لدينا نحن معشر المحبين للفنون بأطيافها، فمن العرضة -وهي فن خليجي أصيل- إلى كوكتيل الفن السعودي الذي أبدعته قبلة الفن الخليجي الكويت؛ وجدنا أن اللغة اللحنية استطاعت أن تحرك الجميع، بمن فيهم قادتنا، حفظهم الله، فشاركوا مع شعوبهم فرحة اللحظة ليتركوا لنا صورا ستبقى مسجلة في تاريخنا الحديث، لتقول لكل متأزم وحاقد بأننا شعوب يجمعنا المصير والتاريخ والفن. صورة من الصور التي ستبقى راسخة في ذهني هي تلك التي جمعت القارئ صاحب الصوت الملائكي الشيخ مشاري العفاسي بفنان العرب وأيقونة الفن السعودي محمد عبده، والتي نقلها الشيخ في حسابه في تويتر ليكتب ويعبر متجاوزا بما قاله عن الصورة التي جمعتهما كل الخطب وكسر كل الحواجز المفتعلة وحطمت تابوهات مختلقة بين الفن والدين فقال: "من حفل استقبال الملك سلمان في الكويت ولسان حال "بونورة" يقول: أرفض المسافة والسور والباب والحارس وأريد اتحادا خليجيا حقيقيا". فاستشهاد الشيخ بأبيات شعر لإحدى أغاني الفنان الكبير دليل على أن الدين لا يرفض الفن الراقي، وأن الفن باستطاعته أن يكون تعبيرا عن همنا المجتمعي والوطني والروحي، إلى جانب ذلك الجانب الإنساني الذي سيبقى وسيتمدد رغم أنف الكارهين، وهو الجانب الرومانسي، فالحب والعشق والتعبير عنه حجر أساس لا يمكن لأحد أن يغتاله، وإن حاول ذلك دعاة الفكر الداعشي المقيت. كان لي حظ أني عشت طفولتي في الفترة التي سبقت ما عرف بالصحوة، ودرست في مدرسة خاصة في الرياض تدرس الموسيقى وتحتفل بها في نهاية كل عام، فنشأت على أن الموسيقى إحدى طرق التعبير عن الذات، إن لم يكن عزفا فتذوقا، ولم تلوث ذائقتي إلا بعد أن أصبحت أشعر بالذنب كلما توهمت أن ما يتسلطن به محمد عبده أو طلال مداح هو خروج عن الدين، واليوم وقد عاد الاعتراف بالموسيقى على أعلى مستوى، حريٌّ بنا أن نعيد النظر في تدريس الموسيقى في مدارسنا واعتبار الفن تعبيرا صحيا للمجتمع، فبعد الفضائيات وجوال أبو كاميرة وعمل المرأة لا يمكن القول إن الفن هو الذي سيتلف المجتمع!