لم أكن معجبا بكتابات غادة السمان، وإن كنت معجبا بجرأتها في تلك الفترة الأولى من حياتنا الشبابية، وكنت أظن أنها فارقت الحياة منذ فترة. وأيضا لست أحد المهتمين بأشعار أنسي الحاج، وما سأطرحه عن الضجة الأخيرة بعد نشر غادة السمان لرسائل شخصية كتبها لها أنسي الحاج قد لا يوافق عليه البعض، لكنه يبقى رأيا شخصيا أحترم من لا يوافقه. السؤال دائما في عالمنا الشرقي هو: هل يحق لطرف ما في علاقة أن يكشف تفاصيلها وأسرارها؟ سأجيب بنعم، لكن بشروط؛ أن تكون هناك قيمة أدبية وفنية لهذه الرسائل، وأن يكون هذا الطرف أمينا وصادقا، ولا يكتم أسراره هو، أو يخفيها تحت أي ذريعة، مقابل نشر أسرار الطرف الآخر. وهذا للأسف ما فعلته غادة السمان، التي تتعذر دائما، بأنها أضاعت الرسائل التي كتبتها، كما في علاقتها مع المناضل والكاتب غسان كنفاني، أو أنها لم ترد على رسائل أنسي الحاج، كما تدعي اليوم. غادة السمان لم تكن أمينة في نقل العلاقة التي ربطتها بغسان كنفاني، وحين عرف القارئ أنها أسقطت رسائلها أسقط مصداقية الكاتبة وأمانتها، وأسقط ما تدعيه من جرأة وهي تحافظ على ستائرها مغلقة مقابل كشف ستائر قرينها. وما ادعته غادة السمان بأنها أضاعت رسائلها لغسان كان يتطلب منها أن تفقد رسائله أيضا من باب احترام مصداقيتها. وما تدعيه الآن بأنها لم تكتب لأنسي الحاج، ردا على رسائله، يجعلنا لا نصدق ما ذهبت إليه أيضا، كما لم نصدق حكاية رسائلها الضائعة. في الإجابة عن سؤال نشر الرسائل الشخصية بين الأدباء قلت نعم، وفي ذهني العديد من الرسائل التي ينشرها الكاتب الغربي أو المحرر الذي يتناول سيرة الكاتب الغربي. وما يراه البعض فضيحة وخدشا لسيرة الكاتب أو الكاتبة، أراه جزءا من حياة الكاتب، والرسائل المكتوبة ليست حوارات هاتفية أو أحاديث عابرة، هي عمل كتابي يتضمن مسؤولية الكاتب تجاه ما يكتب. فأنسي الحاج وغادة السمان كانا يلتقيان كثيرا، كما ذكرت هي، وكانا يتحادثان بالتأكيد، ولا تستطيع غادة أن تنشر هذه الأحاديث وتضمن تصديقنا لها. أما الكتابة، فهي نتاج تفكير ذهني واستقلالية وخيار شخصي يتعامل معها الكاتب كما يتعامل مع نصه الأدبي. الخطأ الأكبر الذي اقترفته غادة السمان، أنها تركت الموضوع حتى يرحل الشاعر، ولم يكن طرفا في خيار النشر من عدمه، أو حتى يمتلك الحق في الرد عليه. وربما هي تعلم أنه لن يوافق على نشر ما كتبه، لاعتبارات خاصة، ونشرها الرسائل لا يغير من مكانة الشاعر عند قرائه، وإن بدا الشاعر ضعيفا أمام امرأة، فذلك هو على حقيقته الإنسانية، بعيدا عن صورته المثالية. ليس الكاتب أو الكاتبة ملاكا ولا إنسانا مصفحا لا يهتز ولا يحب ولا يكتب حبه، وحاجته للحب ورسائله العاشقة ليست بعيدة عن قصائده. كل ما في الأمر، أنها هنا معينة لشخص بذاته، وهناك مغيبة لشخص هو وحده يعرفه. الأهم من كل هذا هو ما هي قيمة هذه الرسائل الفنية والفكرية؟ قرأت بعض هذه الرسائل، ولم أجد أدبا أو فنا، وكأن كاتبها رجل من عامة الناس، "لماذا يخيل إلي أنني في كل ما أقوله لك أصرخ في وادٍ؟ وأن حواري معك حوار طرشان؟ وأنك لا تقدرين أهميتك بالنسبة لي؟"، هذا الحوار العادي يمكن أن يكتب أجمل منه شخص لا يحمل صفة الشاعر أنسي الحاج. ولسطحية هذه الرسائل يبدو أن غادة السمان لا تكترث لقيمتها الفنية قدر اكتراثها لأن نتذكر أنها مازالت على قيد الحياة.