لا أرى هذه الجماعة التي تسمي نفسها الإخوان المسلمون كتنظيم دولي، إلا متاجرين بالدين تجارة رخيصة لأجل شهوة استعباد الناس واسترقاق أفكارهم، إذ إن آخر همهم هو الدين والتدين الذي يحرصون عليه في أشكالهم ولكن جوهرهم يخلو منه، فكيف يمكن قبول هؤلاء في مجتمعات من الأساس تدين بنعمة الإسلام؟ ورأيي هذا قد أكدت عليه في كثير من مقالاتي السابقة، ويأتي بيان وزارة الداخلية الأخير الذي اعتمد ما توصلت له اللجنة المشتركة لإعداد قائمة بالجماعات والتيارات التي تم تجريمها وفق ما نص عليه الأمر الملكي الصادر في فبراير الماضي، بمثابة إعلان لبدء مرحلة فكرية جديدة حيوية في حياة المجتمع السعودي ومؤسساته، فهذا البيان يضع النقاط فوق الحروف، بالطبع لا أقصد هنا ما تضمنه من تجريم لداعش والنصرة وبقية التيارات الإرهابية المنتمية للقاعدة أو حزب الله، لأن السعودية منذ زمن في حالة حرب مع الإرهابيين، واستطاعت وزارة الداخلية ضربهم بيد من حديد لحفظ الأمن والاستقرار، بظل عجز دول مجاورة عن تحقيق ذلك لشعوبها، أبرزها العراق الذي منذ أن تولى الدكتاتور المالكي الحكم لم يرَ العراقيون خيرا، بل نزيفا مستمرا لدماء العراقيين، مستغلا الإرهاب والإرهابيين للبقاء في منصبه رغم اعتراض ومطالبة حتى التيار الصدري الشيعي بأن يغادر المالكي الحكم، والذي وصل في نهاية الأمر إلى اعتزال السياسة، نتيجة فساد المالكي وطائفيته الشنيعة التي يدفع ثمنها العراقيون من دمائهم وأمنهم ولقمة عيشهم. أعود للبيان، وما أقصده هو أهمية تجريم جماعة الإخوان المسلمين، ذلك سيصب تأثيره في النتاج التربوي والثقافي والإعلامي تنمويا، فمع الأسف عدم حظر هذه الجماعة واستمرار إحسان الظن بمن ينتمون فكريا لها لسنوات طويلة، أدى إلى تسللهم لعدد من الوزارات الحيوية كوزارة التربية والتعليم، واستطاع هؤلاء صبّ إفرازاتهم الفكرية الخطيرة في تعزيز الإقصاء الفكري والفكر الجهادي والتأخر التنموي واستغلال العاطفة الدينية في مجتمع محافظ، من أجل أهداف لا تصبّ في صالح إنسان وأمن ولحمة هذا المجتمع، بل في صالح السلطة التي يسعون إليها مستغلين الدين رداء للتمويه والتسلل، وما يفعلونه في مصر الشقيقة من أعمال إرهابية وتهديد لحياة المواطن المصري خير دليل، لكن الخوف كل الخوف يكمن في أن من ينتمون لهذه الجماعة هم في الأساس ممن يمتلكون مهارة التلون وارتداء الأقنعة، فوجه يستخدمونه في وضح النهار يستغبي المجتمع والمسؤولين، ووجه خفي قد يلجؤون له للتربص بإنسان وأمن هذا الوطن، لهذا يجب الحذر من هؤلاء، خاصة أن هذا البيان سيجعلهم ممن يتحولون إلى الأعمال السريّة، كما أن الحذر وحده لا يكفي، والمواجهة الأمنية وحدها لن تستطيع إنهاء هذه الجماعة وفكرها الذي يستغل وعي الناس الضعيف بماهيتها، ولذلك لا يحارب الفكر إلا الفكر، ولا يكون ذلك إلا بترجمة تنموية تصب في مؤسسات المجتمع ووزاراته، وأولى الخطوات التصحيحية هي تنقية مؤسسات المجتمع من هؤلاء الذين عُرفوا بتوجهاتهم الإخوانية، والفترة السابقة خير شاهد لذلك، وما خطته أيديهم وصرحت به ألسنتهم خير شاهد عليهم، والسماح باستمرارهم بعد مرحلة التلون المناسب مع البيان الأخير، هو الخطأ الذي يجب ألا يتم الوقوع فيه، واللبيب بالإشارة يفهم. الوطن