الجمهورية الإيطالية في سن السبعين، وهي شأن دونالد ترامب، تعصى على التوقع. ففي 1946، تخلص الإيطاليون في استفتاء من الملكية. وفي 2016، تقاطر أولادهم وأحفادهم على إقالة رئيس الوزراء ماتيو رينزي وحكومته. فنحو 60 في المئة من الناخبين لفظوا تعديلات راديكالية على الدستور. وإثر الاستفتاء، قال أصغر رئيس وزراء في تاريخ إيطاليا: «لم أكن أحسب أنهم يكرهونني على هذا القدر». ودخل رينوي إلى عالم السياسة الأوروبية قبل ثلاثة سنوات، واحتُفي به على أنه نوع جديد من الزعماء الإيطاليين. واليوم، يبدو أقرب إلى صبي كشافة منه إلى زعيم أو قيادي. وخطأه؟ وعده في بداية الحملة أنه سيستقيل إذا رفضت الإصلاحات. فصار موضوع الاستفتاء على شخصه. ومعارضوه، أي حزب «الخمسة نجوم»، و «رابطة الشمال» المعادية للمهاجرين، وسيلفيو برلوسكوني وأزلامه من اليمين الوسطي، والشعبويين «فراتيللي ديتاليا» والجناح اليساري من حزبه «الديموقراطي»، أقبلوا على دراما الاستفتاء على رينزي، شأن عامة الإيطاليين. ولكن السياسة ليست مشهداً في فيلم سينمائي، والخسارة، إذا وقعت، فعلية. ويدور كلام معلقين وصحافيين على التحذير من دور الاستفتاء في انهيار اليورو والاتحاد الأوروبي. ويصيح هؤلاء: «بعد بريكزيت (انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، ريكزيت (إقالة رينزي وانسحاب إيطاليا...)!. وهذا ضعيف الصلة بالواقع. فديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا السابق، لم يضطر إلى الاستفتاء، بينما رينزي لم يكن أمامه خيار. وفي إيطاليا الإصلاحات الدستورية تقتضي استفتاء الشعب. والاستفتاء لم يكن حدثاً جللاً أو استثنائياً، وكان ليمر مرور انفراط عقد كثير من الحكومات الإيطالية لو لم يربط رينزي مصيره به. وفي بريطانيا، اختار الناخبون الأكبر سناً مغادرة الاتحاد الأوروبي، في وقت اقترع الشباب للبقاء فيه، على خلاف ما هي الحال في إيطاليا. فالشباب أداروا الظهر لرينزي. ولم يكن الاستفتاء في إيطاليا على ما كان في بريطانيا، أي اقتراع حنين إلى ماض. والإيطاليون الشباب غاضبون من البطالة التي تنهش صفوفهم. وهم يكرهون استجداء وظائف موقتة غير مجزية – ومتوسط الراتب الشهري 1200 يورو- لا تكفي للإعداد للمستقبل. وليس وليد صدفة أن ميلانو النافذة شأن عدد قليل من المدن الكبيرة، اقترعت بنعم على التعديلات الدستورية (على نحو ما فعلت بولونيا وفلورنسا، مسقط رأس رينزي). ولكن من روما إلى تورين، ومن نابولي إلى باليرمو، ومن جينوا إلى باري، صوت الإيطاليون بـ «لا» على التعديلات. ويبدو أن رينزي أغفل درس بيل كلينتون: «(الحل هو) الاقتصاد، يا أغبياء!». والاستفتاء هو تصويت على مكانة رينزي في السياسة الإيطالية وليس اقتراع على مكانة إيطاليا في أوروبا. والأغلب على الظن أن تعجز الحكومة المقبلة عن حل المشكلات. فحل أزمة بطالة الشباب والأوضاع الاقتصادية السيئة في جنوب إيطاليا- والمنطقة هذه اقترعت ضد رينزي- يقتضي قيادة قوية. والحكومة المقبلة ستصرف الأعمال إلى موعد الانتخابات المقبلة. فيقر رئيس الحكومة القادم الموازنة، ويحتفي بالوجهاء الأوروبيين في آذار (مارس) في مناسبة الذكرى الستين على اتفاقية روما التي أرست أسس مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ويستضيف قمة مجموعة الدول السبع في صقلية في حزيران (يونيو). ويرجح أن يؤيد الحزب الحاكم، الحزب الديموقراطي، وسيلفيو برلوسكوني، مثل هذه الحكومة. فكلاهما يدرك أن الشعبويين سيفوزون بانتخابات مبكرة. وإيطاليا ترغب في التقاط أنفاسها، ولكن الاسترخاء ليس متاحاً في أوقات الضيق. وهي عضو في مجموعة الدول السبع، ودولة مؤسسة للاتحاد الأوروبي وركن من أركانه الثلاثة الصامدة. وفي وقت تهتز أسس أوروبا وتتغير وجهة العالم، على رغم أن أحداً لا يعلم قبلة الوجهة، لا غنى عن دور روما في توجيه دفة أوروبا. * معلق في «كورييري ديللا سيرا»، صاحب «الوجه الجميل: دليل إلى الفكر الإيطالي»، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 5/12/2016، إعداد منال نحاس.