• أما قبل: الشعر تسريح لطاقات الجسد تفعيل لكائنات الروح تحليق في فضاء الذات اختراق للممنوع زعزعة للثابت بعثرة للمكنون إثارة للدهشة والشاعر كائن متمرِّد فكرًا ولغة وكينونة بدون تلكم الصفات لا شعر بل شعير • وبعد: بعيدًا عن الهجوم الصارخ الذي اكتظت به السوشيال ميديا على الشاعر الشاب حيدر العبدالله، وطريقة أدائه مخطوطته القرى والظلال التي ألقاها أمام خادم الحرمين الشريفين في حفل أرامكو، جاءت القصيدة بحسب معرفتي المتواضعة – حُبلى بالصور والدلالات التي تستفز العقل وتشحذ الذاكرة، مزدحمة بالمعاني، سابحة في بحور البيان، محلِّقة في سماء البديع، ورغم تلكم البلاغة الشعرية الأخَّاذة إلا أنها لم تجد متسعًا لها في قلوب الناس، كون القصيدة تُستعذب سماعيًّا أكثر من استساغتها كتابيًّا، وهو ما فشل فيه شاعرها حين أسمعنا إياها بطريقة بائسة لم يُراعِ فيها شرف المناسبة. صحيح أننا في زمن ضاقت فيه ذاكرة المتلقي بالنبطي، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لتعليق تهمة تدني الذائقة على المجتمع، فـ70٪ من نجاح الشاعر نبطيًّا كان أم فصحويًّا تتمثل في ثقافة الحضور بما تحويه من قدرة صوتية وحركة جسدية، بينما الـ30٪ المتبقية تقوم على ثقافة النص، وحيدر يمتلك الـ30 وتنقصه الـ 70 الباقية، فالشاعر أيًّا كان ليس ملكًا لأحد دون أحد، ورسائله للعامة وليست للخاصة، فهي ليست بحثًا علميًّا لا يفقهه إلا ذوو الاختصاص حتى نلغي آراء العامة. ثم إن هناك أمرًا آخر لا أشك في أن النخبة الذين ثاروا على الشاعر اعتمدوا في نقدهم عليه وإن لم يُبدوه، ألا وهو تلاعبه بالمفردة وعزفه على التناقضات، واستخدامه الإيهام الذي اعتمده كامتحان عقلي للسامع، حين أوهمه بشيء بينما أراد شيئًا، لذا كانت التورية سلاحًا ماضيًا له في التنفيس عمَّا في صدره بطريقة لا تدينه بل تُدنيه، وهي روح القصيدة وريحانتها. على كلٍّ، هو رأي سريع في نص مسكون بالكثير من الإيحاءات والأكثر من الإيماءات، واللعب على التناقضات استخدم فيه الشاعر الرمز وسيلة فنية للتعبير غير المباشر، انطلق منها نحو ذاته، معبِّرًا بواسطة التقنع بها عن مكنونات نفسه، ومُبيحًا بتلك الشخصية عن أحلامه، كون الصور الرمزية ذاتية لا موضوعية، تبدأ من الأشياء المادية علی أن يتجاوزها الشاعر ليُعبِّر عن أثرها العميق في النفس في البعيد من المناطق اللاشعورية، وهي المناطق الغائمة الغائرة في النفس، ولا ترقی اللغة إلی التعبير عنها إلا عن طريق الإيحاء بالرمز المنوط بالحدس. أظن.. أقول أظن.. وليس كل الظن إثمًا.