لا يزال الحديث عن الانتخابات البرلمانية وما يرتبط بها حاضراً بقوة على المشهد السياسي بالمغرب، فوسائل الإعلام والشارع المغربي منشغلان هذه الأيام بفشل مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة، وهي الحالة التي أصبحت توصف بـ"البلوكاج". شكل يوم 7 من أكتوبر حدثاً سياسياً هاماً أثار انتباه وسائل الإعلام العربية والدولية، خصوصاً أنها ثاني انتخابات تشريعية بعد الاحتجاجات الشعبية لسنة 2011، وما أفرزته من دستور لا تزال الصحافة الوطنية تتغنى به، هذه الانتخابات التي سبقتها حملة شرسة شهدت اصطداماً وتنافساً وتراشقاً في الاتهامات بشكل غير مسبوق، وهذا ما دفع الملك في أحد خطاباته إلى وصفها بـ"القيامة". جاءت نتائج يوم 7 أكتوبر مفاجئة لما راج في الرأي العام عن احتمال سقوط حزب البيجيدي وتصدر الأصالة والمعاصرة النتائج؛ حيث فاز حزب العدالة والتنمية بـ125 مقعداً متفوقاً على باقي الأحزاب بفارق كبير. دستورياً، خولت هذه النتيجة للحزب الفائز تشكيل الحكومة، وتطبيقا لما جاء به الدستور، استقبل الملك محمد السادس يوم 10 أكتوبر عبد الإله بنكيران وكلَّفه بتشكيل الحكومة المقبلة وترأّسها لولاية ثانية. الآن، وبعد مرور أكثر من 45 يوماً على تاريخ الاقتراع، يواجه بنكيران تعثراً في إنجاح مفاوضاته وفشلاً في المشاورات، وهو ما عبر عنه في أحد تصريحاته الأخيرة. رغم اصطفاف كل من التقدم والاشتراكي الحليف السابق وحزب الاستقلال إلى جانب العدالة والتنمية وموافقتهما على التحالف الحكومي، فإن ذلك لم يكن كافياً بعد أن رفضت بعض الأحزاب يتزعمها التجمع الوطني للأحرار المشاركة إلا بشروط تعجيزية، أبرزها إبعاد حزب الاستقلال من التشكيلة الحكومية مقابل الموافقة على الانضمام، وهذا ما اعتبره رئيس الحكومة المكلف ابتزازاً سياسياً غير مقبول. بنكيران الذي أصبح متمرساً، يفهم جيداً قواعد اللعبة السياسية بالمغرب، وهذا ما جعله يوجه إلى مناضلي حزبه خطاباً عشية احتفالهم باكتساح حزبهم نتائج الاقتراعات، أكد فيه أن النتيجة ليست بالضرورة حاسمة في تشكيل الحكومة، واستشعر منذ ذلك الحين صعوبة المشاورات الحكومية. أخيراً تناقلت المواقع الإعلامية فيديو مصور لرئيس الحكومة بنكيران، وهو المعروف بتصريحاته المثيرة للجدل، أثناء استقباله لأعضاء من شبيبة حزبه، قال من خلاله إنه معتكف في بيته ولا يخرج إلا نادراً، وجواباً عن سؤال غياب أنشطة استقبالاته في قمة المناخ بمراكش من الظهور على التلفزيون الرسمي، أجاب بلهجة حادة بالدارجة المغربية: "يدوزوها ولا ما يدوزوها... يضبروا لمخهم"، الفيديو المصور بعث من خلاله رسائل مشفرة إلى من يهمهم الأمر، والذين يتهمهم قياديو العدالة والتنمية بممارسة التحكم والسعي لإجهاض المشروع الإصلاحي الذي جاء الحزب لتنفيذه في ولايته الحكومية. وبالرجوع إلى جوهر القضية والإشكالية التي تطرح نفسها موضوع النقاش العام، وهي: هل فشل المشاورات الحكومية مجرد "بلوكاج" عادي مؤقت وغير مخطط له، أو أنه انقلاب يوصف بـ"الناعم" يتم الإعداد له بعد فشل كل محاولات القضاء على تجربة العدالة والتنمية في قيادة الحكومة؟ في الواقع، لا أعتقد أن هذه الأزمة تعتبر انقلاباً على نتائج صناديق الاقتراع ومحاولة لعزل حزب العدالة والتنمية وإقصائه من تولي قيادة الحكومة للولاية الثانية، وكل ما في الأمر هو أن الدولة العميقة بعد أن فشلت محاولاتها السابقة في إضعاف البيجيدي والحيلولة دون تصدره النتائج الانتخابية، تحاول اليوم الضغط على الحزب عبر إفشال مشاوراته مع الأحزاب الأخرى، وهي الأحزاب المعروفة بالإدارية المقربة من دوائر إدارة الدولة العميقة، وبالتالي إرغامه على قبول شروط هذه الأخيرة، التي تستهدف إيقاف خطوة الائتلاف مع الكتلة الديمقراطية (حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي) وضمان استمرار الأحزاب الإدارية كالتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية وربما إضافة الاتحاد الدستوري وسحب المناصب الوزارية الهامة كوزارة الخارجية والمالية والفلاحة والتجارة... من أقدام العدالة والتنمية، وبالتالي عدم ترك الساحة لانفراد البيجيدي بقيادة الحكومة إلى جانب حلفائه. وكل هذا يستهدف الحد من تنامي قوة حزب العدالة والتنمية الذي بات يتوفر على قاعدة شعبية قوية، ورغم ذلك فالمخزن لا يزال يراهن عليه في قيادة الحكومة نتيجة ما قام به في الولاية السابقة من التنازلات وإرضاءات تفوق ما كان متوقعاً منه. أما الاتهامات التي يروج لها أنصار الحزب اليوم بخصوص وجود مؤامرة تحاك في الخفاء للقيام بانقلاب صامت على الإرادة الشعبية، فهذا ليس سوى ضغط مضاد، وأسلوب ناجع يتبناه أنصار الحزب في مواجهة خصومه السياسيين. أخلص في الأخير إلى أن هذه الأزمة السياسية لها تداعيات مكلفة على المستوى الاقتصادي والسياسي والإداري للبلد وينبغي على الأحزاب السياسية إيجاد صيغة توافقية لتجاوزها في القريب العاجل. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.