×
محافظة المنطقة الشرقية

وزير المالية: 84% من صكوك العالم مصدرها السعودية والإمارات وماليزيا

صورة الخبر

< ضمن فعاليات مؤتمر الأدباء السعوديين الخامس الذي نظم الأسبوع الماضي، عدد قليل من الأوراق التي حظيت باهتمام ومداخلات كثيرة، نظراً إلى جدتها وملامستها الدقيقة لمفاصل المشكل الثقافي في السعودية، ومنها هذه الورقة التي ننشر هنا مقتطفات منها: منذ نشأة البشرية والنفس تنزع على الدوام إلى التجمع وبناء تجمعات لأفراد معيّنين لهم سمات مشتركة، لتحقيق رغبات وأهداف تختلف بين مجموعة وأخرى؛ بحسب حاجة كل مجموعة منهم. وذكر أبونصر الفارابي أن الإنسان لن ينال الكمال باجتماعات جماعة متعاونين، معتبراً ذلك من الفطرة الطبيعية. وبحسب جوستاف لوبون، فإن أهم ما تتميز به الجماعة وجود روح عامة تجعل جميع أفرادها يشعرون ويفكرون ويعملون بكيفية تخالف تمام المخالفة الكيفية التي يشعر ويفكر ويعمل بها كل واحد منهم على انفراده. ومن هنا برزت فكرة إنشاء مؤسسات ذات طابع مدني غرضها تحقيق العدالة عبر بوابة المجتمع. ويعرف فرانك أدولف المجتمع المدني بأنه يصف العلاقات الاجتماعية بين المواطنين والمواطنات، بوصفه المجال الذي يحققون فيه دورهم كمواطنين، ويعملون فيه بأسلوب تضامني عبر تنظيم أنفسهم كجماعة، ويرون أنفسهم منتجين للقوانين التي تحكمهم. ولكون المجتمع المدني رابطة اختيارية يدخلها الأفراد طواعية وفق الأنظمة والقوانين؛ فإن هدفها يتمثل في تحسين حياة الناس وصيانة حقوقهم، وتعريفهم بواجباتهم وحقوقهم، وكل ما بدوره المحافظة على كرامتهم، وتحقيق الأهداف العليا التي تم الاجتماع عليها من أجل تأسيس هذه المنظمة. والمجتمع السعودي ليس استثناء، إذ كانت له بوادر للمجتمع المدني منذ تأسيس الدولة السعودية في نسختها الثالثة؛ وهو الأمر الذي يفند حجة عدم جاهزية المجتمع السعودي للديموقراطية. إذ يشير الباحث محمد القشعمي إلى أن تلك البوادر بدأت بانتخاب أعضاء مجلس الشورى عام 1924، وتلاها انتخاب النقابات والغرف التجارية وشيوخ الحرف ورابطة طلاب جامعة الملك سعود واللجان الرياضية وأعضاء المجلس البلدي في الرياض وجمعية النهضة النسائية. اللافت أن من يطلق عليهم النخبة المثقفة من الأدباء والصحافيين، فشلوا في حينها بتكوين رابطة أدبية مع الدعوة لها في الإعلام بمطلع الثلاثينات، كما لم تتم الاستجابة وقتها بإنشاء نقابة للصحافيين على رغم الشكاوى المتزايدة من عبث نقاط البيع في أسعار الصحف وصعوبة التوزيع. وذكر القشعمي أنه فجأة توقفت ثقافة الانتخابات عن مجتمعنا في عام 1964، وأصبح كل شيء بالتعيين.   المثقف ومؤسساته المثقف المقصود في هذه الورقة هو المبدع المشتغل بالفنون والأدب، من ناحية الإنتاج والاطلاع والنشر والمساهمة بإيجاد حراك يخدم هذه المجالات. أما المؤسسات المستهدفة فهي المؤسسة التي أنشأتها الحكومة كي يعمل تحت مظلتها الأدباء بشكل رسمي، وهي الأندية الأدبية في المملكة العربية السعودية. ومنذ تأسيسها عام 1395هـ دخلت في أكثر من طور تنظيمي وإداري، إذ ظلّت تابعة للرئاسة العامة لرعاية الشباب (وهي ما تعرف حالياً بهيئة الرياضة) طوال 28 عاماً، وصدرت معها لائحة تأسيسية تم تعطيلها لاحقاً، حتى انتقلت الأندية الأدبية إلى كنف وزارة الثقافة والإعلام عام 2006، وصدرت لائحة جديدة للانتخابات، تمخض عنها تشكيل الجمعيات العمومية، وإجراء أول انتخابات في نادي مكة الأدبي عام 2011. وصاحب تلك الانتخابات الكثير من الجدل في الآلية والإجراءات وطريقة الاقتراع، ما أدخل التجربة منعطف تعطل الأنشطة في بعض الأندية، فيما عانت أخرى من المقاطعة والانسحاب والاستقالة، ما دفع وزارة الثقافة والإعلام إلى وقف سيل النقد التي كانت تنهال عليها؛ كونها هي من أصدر هذه اللائحة، إلى إجراء مجموعة التعديلات على اللائحة السابقة، وظهرت بصيغتها النهائية في شهر أكتوبر من عام 2016. وكانت النتيجة: التمديد للمجالس وتعطيل الانتخابات، وكل ذلك من دون الاحتكام للجمعيات العمومية؛ بل تهميشها وعدم الاعتداد بوجودها والدور الأساسي الذي تلعبه. وكل ذلك يثبت أن وزارة الثقافة والإعلام في مأزق تشريعي حقيقي في كيفية التعامل مع هذه التجربة الديموقراطية؛ كونها قامت بإسقاطها للتنفيذ، فيما يفترض أن تصوغها وتراقبها جهة أهلية تمثل الأدباء، كرابطة أو اتحاد منتخب، وليس جهة حكومية تحتكر حق التشريع وفصل المنازعات. فيما مؤسسات المجتمع المدني تقوم على الاستقلال المالي والإداري والتنظيمي، حتى لا تكون مرتبطة بالمنظومة الرسمية خشية التدخل في آلية عملها؛ كونها إحدى أدوات الضغط المجتمعي، تقتات الأندية الأدبية مالياً على معونات الجهة التي ترعاها، وهذا ما نتجت منه التبعية النظامية، إذ إن تلك الجهة الممولة هي من تضع الأنظمة واللوائح. وهذا ما كشف خللاً هيكلياً بعد أن أقرّت وزارة الثقافة والإعلام الانتخابات، إذ إن الأنظمة خوّلت مجالس الإدارة القائمة في حينها أن تتولى تشكيل الجمعيات العمومية، فيما هي يحق لها أيضاً المنافسة للفوز في الانتخابات، ما أفقد تلك التجربة الحد الأدنى من الشفافية. وترتب على هذا الوضع فقدان الثقة في الاستحقاق الأول للجمعية العمومية، وهو الاقتراع لاختيار مجلس الإدارة، وبالتالي انحسرت فعالية الجمعية بالحضور وممارسة دورها الرقابي والتشريعي، ما ترك أثره في تعثّر انعقاد بعض الجمعيات لعدم اكتراث هؤلاء الأعضاء بما يجري بالنادي. فالمعنيون منهم بالثقافة والأدب فقدوا الجدوى من دورهم كأعضاء جمعية عمومية، فقرروا الانسحاب من المشهد، فيما انتهت مهمة طيف آخر من هؤلاء الأعضاء، وذلك بعد أن قاموا بمهمة التصويت في استجابة لأوهام طائفية أو فزعة قبلية، بعد أن فتح لهم الباب على مصراعيه بسبب سوء إجراءات طي قيد الجمعيات. وبهذا الحال تم نسف دور الجمعيات العمومية للأندية الأدبية، وهذا أوجد حالاً من الخمول الثقافي والأدبي، ما انعكس سلباً على الحضور والتفاعل مع الأنشطة، إذ إن من تولى دفة إدارة الأندية في الغالب مستمتع برغد الوجاهة والمكافآت، ما جعل هذه المغريات سبباً في فعاليات اتسمت بالتقليدية، بل والانصراف عن القيام بدور الأندية في التذكير بالقضايا الكبرى. وتم حصر أسماء الضيوف في طيف فكري معيّن، كل ذلك حتى لا ينفض العهد الذي بينه وبين من انتخبوه من خارج دائرة المثقفين، ممن تعاهدوا معه على تنميط النادي شكلاً ومضموناً كي يصبح نسقاً واحداً، تختفي فيه التعددية والتنوع والحوار الجاد والمثري. بقي أن نشير إلى أن الأندية الأدبية تقوم بحل منازعاتها الإدارية من خلال الاحتكام إلى وزارة الثقافة والإعلام، والتي هي من قام بتشريع تلك الأنظمة المتنازع عليها، ما يعني وجود ثغرة قانونية عبر إعطائها حق تفسير المواد، وبالتالي تطبيقها وفق ما تراه هي يصب في مصلحتها بالضرورة، وهذا ما جعل كثيراً من الخلافات تظل ضائعة بين المثقفين المعترضين والوزارة، فنجد في حال نادي المنطقة الشرقية الأدبي مثلاً عندما أراد المثقفون المطالبة بحق يرون أنه قد سُلِب في تشكيل الجمعية العمومية وإعادة المجلس المنحل، كتبوا خطاب «مناشدة»، كي يتم الانتصار لهم من حال وضعتهم فيه الجهة ذاتها التي يناشدونها للانتصار لهم عليها، وهذا حكم الاضطرار الذي لا مناص منه. وليس بعيداً عنهم حال نادي جازان الأدبي، الذي وجد نفسه كسابقه مضطراً إلى اللجوء إلى الجهة نفسها كي تنصفه؛ نظراً إلى وجود طعون وملاحظات حول الانتخابات وصلت حد التعارك بالأيدي في أحد الاجتماعات، ما استدعى تدخل الحاكم الإداري في إمارة جازان لحل هذا النزاع، على رغم عدم اختصاصها النظامي وفق لائحة الأندية الأدبية بهذا الشأن، إلا أنه قام بتشكيل «مجلس حكماء» لحل الأزمة. ومما تتقدم نجد أن الأندية الأدبية في السعودية ليست من مؤسسات مجتمع مدني. فهي غير مستقلة مالياً، ويتم تمويلها من الجهة الحكومية الراعية لها، ما يعني أنها جزء من المؤسسة الرسمية، في تمويلها وتنظيمها.   المؤسسة البديلة بحكم متطلبات العصر واستجابة للمستجدات الراهنة، والحاجة لمظلة مستقلة تساهم في التدافع المجتمعي، وذلك بدلاً من العزلة وعدم القيام بدور المثقف العضوي في البناء والتقدم، باتت الحاجة ملحة إلى إحلال مؤسسة بديلة تقوم مقام المؤسسة القائمة حالياً؛ نظراً إلى استحالة إصلاح الأندية الأدبية في وضعها الحالي. فمخطئ من يظن أن حل وضع الأندية يتم من خلال إعادة انتخابات مجالس الإدارات، إذ إن أغلب الجمعيات العمومية المخولة بهذا الاستحقاق تعاني من طعون عدة في مشروعية تأسيسها، وأيضاً هي مهددة بمشروع يلوح في الأفق، وهو إنشاء مراكز ثقافية، وذلك عبر دمج الأندية الأدبية مع جمعيات الثقافة والفنون، ما يعني أن الجمعيات العمومية ستذوب وستتبخر وستكون أثراً لم يكن له أثر أساساً، وهذه معضلة جديدة أخرى. ما يشير إلى أن بقاء الأندية يتطلب بقاء تلك الجمعيات، ولكن بهذا الحال فلا شيء سيستقيم من دون معالجة تشريعية وهيكلية عميقة، تتطلب مبادرة ثقافية وطنية يقودها مجموعة من المثقفين المهتمين بهذا الشأن. إذن الأمر يتطلب في بادئ الأمر اتخاذ الإجراءات القانونية كافة لاستقلال الأندية الأدبية مالياً وتنظيمياً؛ ولأن السبيل لتحقيق ذلك لا يتم إلا عبر إنشاء اتحاد وروابط تمثل الأدباء تكون نواة مؤسسة بديلة، والذي يتطلب تحمل المثقفين مسؤوليتهم لاتخاذ كافة الإجراءات من أجل الضغط للحصول على هذا الحق. فإن استعصى هذا الحل لإنشاء مؤسسة بديلة مع الاحتفاظ بالإرث التاريخي للمؤسسة القائمة ولكن بوضع وتنظيم جديد مستقل يحاكي مؤسسات المجتمع المدني، وإلا فإن الباب بات مشرعاً حالياً أمام المهتمين من المثقفين لخيار مؤسساتي آخر، وهو إشهار جمعية تدور في فلك خدمة الأدب والثقافة، وفق نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية المقر حديثاً من مجلس الوزراء. وهو الخيار الذي يضمن فيه الاستقلال المالي والإداري والتنظيمي، والتي قد تكون جهة مخولة بشكل موقت لإدارة ومراقبة انتخابات الأندية إذا تعثّر تشكيل روابط واتحاد أدباء كخيار مقدم على غيره من الخيارات. وإن تعذر تحقق هذا المطلب وذاك، فبقي أن نتمسك بنموذج آخر لمؤسسة بديلة، وهي الصوالين الثقافية والمنتديات الشبابية، والتي على رغم ما ينقصها من إمكانات وصعوبات تنظيمية في السماح بتدشينها والإعلان عن فعاليتها من دون أي مساءلة، إلا أنها تمثل ملاذاً قائماً ومستقلاً يوفر لرواده مواضيع وأطروحات مختلفة في الطرح والمضمون، وذلك بعيداً عن الصراعات الشخصية المغلفة بعباءة الأدباء ويدور رحاها في طحن الأندية. إن المطالبة بمؤسسة بديلة عن المؤسسة القائمة نابع من تصدعها وفقدان الثقة فيها بخدمة الثقافة والأدب، بينما الأصل في المؤسسة توفير البيئة والأرضية للانطلاق إلى عالم الإبداع والمعرفة، عبر تجسيد دور المثقف المتفاعل مع محيطه ومجتمعه وأمته العربية، وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا بإنشاء مؤسسات المجتمع المدني كي تتولى هذه المهمة.     * كاتب وإعلامي سعودي.