في عالم مكبل بالقيود ترتفع شعارات الحرية، شعارات رنانة كاذبة، لرجل كان أو امرأة، لا توجد حرية حقيقية، هي مجرد شعارات زائفة خائفة مرتعشة مدعية للحرية. فهل هي حرة الأم في أن تعمل دون أن تضع حساباً لموعد الغداء؟ هي ليست حرة. وهل حرة في أن تشتري ملابس وقتما شاءت؟ هي ليست حرة. فلا أحد يعلم متى تسمح الميزانية وماذا أولى من ماذا، حتى الرجل في مجتمعنا ليس حراً، هل هو حر في أن يتقاعد ويصبح بلا عمل؛ لأن الإعياء تملك منه؟ هل هو حر في أن يرتدي ما يشاء وهو ذاهب لعمله الجاد؟ هل هو حر حتى في أن يطلق شعره أو يقصه؟ يطلق لحيته أم يحلقها؟ هل تصدق أن معظم الرجال ليسوا أحراراً في أطوال شعر رأسهم؟! فانطباع المدير والعميل والأهل يحكمه، هل يستطيع أن يجازف أب بمستقبله وينتقل لعمل آخر وجد فيه شغفه، ولكنه بأجر غير ثابت؟ بالطبع لا، فهو سيصبح مهملاً وغير مسؤول، والأفضل له من أن يمارس شغفه ويقابل سيلاً من الهجوم المجتمعي واللوم النفسي. أن يسجن نفسه في عمل يمله، ولا يشعر به، ولا يجد به شغفه. إذاً لا أحد حر.. ليس حراً.. لسنا أحراراً.. أن ننام إذا تعبنا أو نأكل إذا جعنا، فننام عندما تسنح الفرصة، وتنتهي أطنان الأعمال التي توفر كفاف العيش لأبنائنا، وهي ساعات معدودة، وفي بعض الأحيان تصبح معدومة. لا نأكل إلا إذا تأكدنا أننا وفرنا لفلذات أكبادنا طعاماً يكفيهم، فإن تبقى أكلنا وإن لم يتبق شبعنا لشبعهم، هذا هو حالنا، رجلاً كان أو امرأة، لسنا أحراراً إذا اخترنا المسؤولية. فهل يستطيع أحدنا الهروب والاختفاء صباح يوم ولو بهدف إجازة وراحة من شقاء العمل؟ ليس من حقنا، فالأعمال ستتراكم والأبناء ستنتظر والأسرة ستقلق، هو تصرف غير مسؤول لا يليق بنا، لا رجل حر ولا امرأة. نحن نمارس القمع على بعضنا البعض حتى لو حلمنا أننا متفتحون ومتقبلون للجديد، هي مجرد مسكنات نسكن بها أرواحنا حتى تتحمل المزيد من الشقاء، ولا تفرق بين غني وفقير، فالفقير يحارب من أجل كفاف العيش، والغني يحارب من أجل البقاء في نفس المكانة، وحتى ما بينهما يحارب، من أجل دراسة وطموح ومكانة في العمل. لا توجد تفرقة فجميعنا في حرب ضروس نهاية التراخي فيها محتومة ومحسومة بأن نقع تحت أقدام أقسى مخاوفنا. فحتى أحلامنا وطموحنا ورغباتنا الداخلية تدفعنا للخناق لا يجب أن ترتاح إن كنت تسعى للنجاح. تنتشر الوساوس في عقولنا أن الراحة ضارة بالمستقبل كأغلال على الجسد تكبله ألا يترك جماحه للفرح. فكيف نتنفس الحرية، وإن كنا أنفسنا لا نترك أرواحنا حرة؟ كنا صغاراً فقالوا تزوجوا وذوقوا الحرية فتكبلنا بقيود المسؤولية قبل أن نتذوقها، الجميع يحكموننا ويحكمون علينا الخناق حد السجن في أجسادنا، يسجنون أرواحنا في أجسادنا بأفكارهم، وكأننا مسلوبو الإرادة، والغريب أنك قد تجد منهم من يعاني من الضغط، ولكن لم يفكر أحد في أن يحررنا ويحرر المجتمع من الضغط. فكرت في أن أفك أغلال الخناق عن روحي العالقة بين حب الحرية والالتزام بالمسؤولية، فوجدتني لا أستطيع، فأقل الحقوق قد ضاعت أمام المسؤولية، لا تكبلنا قيود سلطة باطشة تهددنا بالاختفاء والاعتقال في أي لحظة فحسب، بل تكبلنا ظروف ومواعيد ومسؤوليات وواجبات. نسجن أنفسنا بأنفسنا داخل دائرة الطموح والعمل والأمل. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.