لم يكن الفوز الثامن الذي حققه النصر أمام الباطن 4- صفر في الجولة الـ11 من دوري جميل، مستغرباً حتى قبل المباراة. نظراً للبون الفني الشاسع بين الطرفين، ولكن الأحداث التي سبقت المباراة في البيت النصراوي وقبلها الخسارة المفاجئة أمام التعاون، ساهمت في تحويل الانتصار الأصفر إلى انتصارات عدة، قدمها اللاعبون ومن خلفهم الجماهير في المدرجات، على هيئة رسائل، ليست مبطنة تجاه إدارة النادي، في مقدمتها الدعم الكبير الذي وجده مدرب الفريق الكرواتي زوران ماميتش، نظير ما قدمه من نتائج مميزة، وضعت النصر في قلب المنافسة على بطولة الدوري، وضمن المربع الذهبي لبطولة كأس ولي العهد، مواصلاً فرض شخصيته الفنية والانضباطية في الفريق العاصمي، بعد موسم عاصف مضى، عانى منه النصر على صعيد تغيير المدربين، وغياب الهوية الفنية بعد أن هوى العالمي إلى مراكز متأخرة في قائمة الترتيب، وخرج من موسمه العصيب خالي الوفاض. كما ساهم الانتصار الأخير في الدوري إلى تعزيز الثقة الكاملة في الجهاز الفني، وتهدئة الانقسامات الجماهيرية التي سبقت المباراة، على خلفية ماحدث قبلها في التدريب الأخير، من مماحكات بين المدرب وقائد الفريق حسين عبدالغني، الذي خسر تعاطف الكثيرين في المدرج الأصفر، بعد تعدد مصادماته داخل وخارج الملعب، خصوصاً هذا الموسم بدءاً بزميله لاعب الوسط أحمد الفريدي في المعسكر الخارجي قبل بداية الموسم، ثم الأحداث التي كان بطلها في دورة تبوك التحضيرية، وتواصلاً مع المشرف الإداري السابق بدر الحقباني، الذي اضطر للرحيل، ثم مع لاعب الوسط عوض خميس، وأخيراً مع لاعب الوسط الكرواتي مارين توماسوف، وليس انتهاء بمدرب الفريق، كل ذلك كان طرفه قائد النصر وعلامته الفنية الفارقة قبل موسمين، عندما قاده مع بقية زملائه لحصد لقب الدوري مرتين متتاليتين، وقبلهما تحقيق بطولة كأس ولي العهد، فيما جاءت الأحداث المتتالية الموسم الحالي، والتي كان طرفها الثابت القائد التاريخي نفسه، وأحد أساطير الكرة السعودية، منذ بداية ركضه في الملاعب في التسعينات الميلادية، وتحديداً قبل 22 عاماً والتي حقق خلالها العديد من المنجزات مع الأهلي ثم النصر مروراً بالمنتخبات السعودية، قبل أن تتراجع مستوياته داخل الملعب، بدءاً من الموسم الماضي وهذا الموسم، فخفت بريق تميزه وغاب توهجه السابق، لتتواصل مشاكساته في كل اتجاه، وسط صمت إداري مستمر حتى قبيل مباراة الباطن. القائد المشاكس اصطدم بشخصية المدرب القوية، التي لم تكن موجهة لشخص عبدالغني تحديداً فقبله لاعب الوسط أحمد الفريدي والمهاجم نايف هزازي والحارس عبدالله العنزي، وحتى اللاعبين الشابين في وسط الفريق سامي النجعي وعبدالرحمن الدوسري، نالهما نصيب من انضباطية المدرب، بعد أن تعمد ركنهما في دكة البدلاء أمام الباطن، معللاً ذلك بحضورهما بقصتي شعر مستغربتين، لا تتماشيان مع النظام الذي يفرضه على مستوى الفريق ككل، وهو التصرف الذي زاد الجماهير اعجاباً وتمسكا بالمدرب الكرواتي الصارم، الذي ظهر أمام لاعبيه بذات المستوى من التعامل الحازم، الذي يتؤام مع أنظمة الاحتراف في إطار تمازج اعتدال السلوك بنجاح العمل. ولعل مالفت الانتباه في المواجهة الأخيرة للنصر، هو منح المدرب الفرصة الكاملة لمهاجم الفريق حسن الراهب بعد تصريحه الحاد ضد الجهاز الفني بعد مباراة التعاون، واتهامه بمحاباة بقية المهاجمين على حساب مشاركته، فعلى الرغم من ذلك خالف زوران التوقعات مانحاً الثقة للراهب في دليل واضح أن المدرب لا يلجأ إلى شخصنة الأمور، متى كان ذلك يَصْب أولاً في مصلحة الفريق. وجاء التفاف اللاعبين حول مدربهم بعد كل هدف يسجل في المباراة الأخيرة، دليلاً قاطعاً على تمسكهم ببقائه، ورضاهم التام عن عمله، بعد أن راجت أنباء الاستغناء عنه بعد الخسارة الثالثة من التعاون، ليكمل الجمهور النصراوي مسلسل دعم المدرب بهتافات تشجيعية نادت بتعزيز الثقة في الجهاز الفني، في ظل استمرار النتائج المميزة للنصر هذا الموسم، مقارنة بالموسم الفارط. ربما يخسر النصر في المباريات المقبلة حاله كحال أي منافس في دوري جميل، وقد يتم الاستغناء عن مدربه الكرواتي زوران ماميتش، في أي لحظة من لحظات الموسم الطويل، ويحل عنه بديل جديد، ولكن ذلك كله لا يجب أن يكون على حساب التعامل العادل مع جميع اللاعبين، وفرض روح الجماعية وتكريس الشكل الانضباطي في الفريق، إذ إن الحياد عن ذلك سيكون وبالاً على أي فريق، وسيحدث الانقسامات التي تأتي نتائجها عادة بصورة وخيمة، لا تتوقف سلبيتها الطاغية إلا بسلسلة من التغييرات الفنية والإدارية وحتى العناصرية، بينما الجماهير التي تحترق دعماً وتشجيعاً مهما كانت الأسماء، هي من تدفع الثمن، بانتظار أحوال أكثر استقراراً وأفضل نتائج.