×
محافظة مكة المكرمة

شرطة الطائف تقبض على 11 امرأة ورجلين بمنزل شعبي في وضع اختلاء محرم

صورة الخبر

النسخة: يقول المستشرق الإنكليزي آديلارد أووف باث في محاورة مع ابن أخيه، وقد ألح عليه أن يأتيه بشيء جديد من دراسات العرب: «إنني، وقائدي هو العقل، تعلمت من أساتذتي العرب غير الذي تعلمته أنت. فأبهرتك مظاهر السلطة بحيث وضعت في عنقك لجاماً تقاد به قياد الإنسان للحيوانات الضارية. لا تدري لماذا ولا إلى أين... وقد مُنح الإنسان العقل لكي يفصل به بين الحق والباطل. فعلينا بالعقل أولاً فإذا اهتدينا إليه، لا قبل ذلك، بحثنا في السلطة. فإذا جارت العقل قبلناها وإلاّ...». ثم يقول في موضع آخر: «وفي تقديري أن لا شيء يفنى في هذا العالم المحسوس، هذا مؤكد. وليس العالم اليوم بأصغر منه عندما خلق. فأي جزء يتحرر منه إنما ينتقل من اتحاد إلى اتحاد. ولا فناء»! من يقرأ كتاب «بيت الحكمة» لصاحبه جوناثان ليونز، وعن تأسيس العرب حضارة الغرب، وعن آديلارد بالذات وانتفاعه بعلوم العرب، سيتفاجأ بتفاصيل الكلام الموثّق عن جهل الغرب، وبالتحديد أوروبا إبان العصور الوسطى. حيث الخرافة السائدة، وشيوع توقعات نهاية العالم، والتفسيرات السفيهة للظواهر الطبيعية، وتصديق الناس الخزعبلات على أنها حقائق. وكله، وكأن العالم كان خارج نقاش الغرب الغارق في العزلة والفوضى الطوعية. أما المحاولات لسبر العلوم والمعارف فكانت مرشحة بامتياز إلى اعتبارها شبهات للاشتغال بالسحر، أو تسخير الجان بغرض الأذية. فيا سبحان الله! بِمَ يشبهنا كل هذا الوصف؟ وكأن الآية قلبت! وما كانوا فيه صرنا نحن فيه، ولكنهم خرجوا من ظلمتهم ووجدوا عقولهم. لذلك، تجدنا نتضارب على السلطة والتسلط بعد أن ضيعنا عقولنا. فالسلطة تعني القوة، تعني بمفهوم الجاهل مركزاً يعفيه من تقديم الأعذار والمبررات التي لا يجيدها. والأهم أن تعني التسيّد في غياب تام للأسباب الجوهرية أو المنطقية المؤهلة لهذا التسيد، وهذا أكثر ما يناسب من ضيّع عقله. وللأمانة، وقبل وسائل الاتصال الاجتماعي بقنواتها المفتوحة، لم أكن أحيط علماً - وقد يشاركني في الرأي آخرون - أننا بهذا الجهل، والغريب أنه متأصِّل. فأن تكون جاهلاً بشيء ثم تأتي شمس المعرفة فتضفي عليك من وهجها فلا بأس بجهل تحول إلى معرفة، ولكن أن تكون الجاهل وتصر على وضعك وكأنه إرث عائلي تتوارثه الأجيال فهذا هو أصل البلاء. فهذا الجاهل سيتكاثر بجهله حين يؤسس لأسرته ولأبنائه الجهلاء الصغار. والصغير سيأتيه يوم ويكبر، ويكرر مسيرة أهله في الجهل بأبناء يفوقون موازنة دخل الأسرة، بثقافة بيت بدائية وطاردة، باختيارات هوجاء، وربما مسجل خطر، بتطرف ديني أو انحرافي من أي نوع، بمشكلات مزمنة ونتائج تضغط على عاتق الدولة، بشكوى دائمة من ضيق ذات اليد، برغبة جامعة في التسلّط لتملّك السلطة أو الحل السحري الذي يغطي العيوب، فأين العقل العربي من هذا؟ في عزلة طواعية كما الغربي في عصور ظلامه. يقول آديلارد: «علينا بالعقل أولاً فإذا اهتدينا إليه، لا قبل ذلك، بحثنا في السلطة. فإذا جارت العقل قبلناها وإلاّ...». وإلا، فلاداعي لها. فالعلة دائماً في العقل لا في السلطة. بل إنك تتمناها من عاقل عادل ذي رأي ومشورة وقرار. لذلك، تجد من العقلاء من يعتذر عن السلطة والمراكز، لأنه أدرى الناس بما يناسبه ويصلح له. وسئل أغنى رجال العالم كارلوس سليم عن معترك السياسة وإن كان يفكر في خوضه، فلم يتردد بابتسامته الهادئة من النفي الفوري، لأنه لا يجيد أوراقها ولا يملك طبيعتها. صحيح من وهبه ربي عقلاً لم يحرمه من شيء، ومن حرمه عقلاً فأول ما يفكر به هو أذية نفسه وغيره. فاختياراته في معظمها سلسلة من الإخفاقات والكوارث المتفاقمة، والتي عادة ما يؤولها المتعثر إلى حظه النحس وتآمر المحيط وفساد الناس، وأي شيء، وأي أحد إلا أن يكون هو السبب. فالفاشل لا تنتهي قائمة أعذاره، وإن اعترف بكونه السبب فذلك نتيجة متوقعة برأيه لما ارتكب في حقه، ليعود إلى دائرة هذا ما جنوه عليّ. ولنفترض أن بعض الحق معه أو معظمه، فماذا فعل هو ليرفع عنه الظلم والحرمان؟ كم فرصة خاضها، وخاضها صحيحة، ثم نقّح صحتها؟ وكما جاء عن آديلارد، فالعالم الذي نعيشه اليوم هو ذاته القديم ولكن بصورة مختلفة. فتتحرر قطعة من هنا وتتصل بغيرها من هناك، والجهل الذي عانى منه الغرب غادرهم لينتقل إلى قطعتنا في هذا الجزء. بقي أن نتحرر منه، وسينتقل إلى قطعة أخرى. وأقصد أن يتحرر العالم العربي منه، وليس قطراً بعينه يخرج منه ليستقر في القطر المجاور له. وانقشاع الجهل هذا ليس في تعلّم القراءة والكتابة واستعمال التقنيات ووسائل الاتصالات الحديثة، ولكنه في الوعي ونوعيته. وهما آلة القياس. كاتبة سعودية suraya@alhayat.com