أعيدت في مصر محاولة قتل نجيب محفوظ مرتين خلال أيام. كانت المرة الأولى في مطلع الأسبوع، حين اعتبر نائب أن روائي مصر الأهم «يستحق العقاب» بسبب رواياته «الخادشة للحياء»، وأسِف لأن أحداً «لم يحرك الدعوى الجنائية» في حياة محفوظ. أما المرة الثانية، فختمت الأسبوع حين دهمت قوتان من السلطات المحلية في منطقتين على هوامش القاهرة مكتبتين خيريتين للأطفال، وأغلقتهما من دون تقديم مبررات. اللافت في الواقعة الأولى، أن النائب الحاصل على درجة الدكتوراه في القانون بأطروحة عن «حماية الديموقراطية»، لا يمثل المؤسسة الدينية ولا ينتمي إلى أي من تيارات الإسلام السياسي، التي كانت قضايا معاداة الثقافة ومحاربة الروائيين والشعراء و»الحسبة» السيئة السمعة مقتصرة عليها وعلى المحسوبين عليها لسنوات، باستثناء بضع وقائع حركتها الدولة في إطار مزايدات. مفارقة أخرى هي أن الهجوم على محفوظ جاء خلال مناقشة لجنة برلمانية مشروع تعديل قانوني (رُفِض بالطبع) لإلغاء عقوبة السجن للمتهمين بنشر ما «يخدش الحياء»، وهي التهمة التي زجّت بروائي آخر هو أحمد ناجي في السجن لسنتين، على خلفية نشر مجلة أدبية فصلاً من روايته «استخدام الحياة». وإذا كان وارداً الرد بأن النائب قد يكون على علاقة غير معلنة بإحدى حركات الإسلام السياسي، فإن مرافعة النيابة في قضية ناجي التي ظهرت في تسجيل مصور للمرة الأولى قبل أيام، لم تختلف كثيراً عن منطلقات كلمة النائب. فممثل الادعاء اغترف من قاموس وصائي متحجر عن «قيم الأسرة» الواجبة حمايتها في مواجهة «باطل يتعدى على الفضيلة ويخدش عاطفة الحياء بين الناس» الذين يفترض هذا المنطق أنهم قُصّر يحتاجون قبضة الدولة لحماية «عاطفتهم». على أن مكمن الخطورة أن مستوى ما «يخدش» هذه العاطفة لا يبدو محل اتفاق بين الأوصياء الكُثر، ففي حين اعتبر النائب القانوني محفوظ مُستحقاً للعقاب، استشهد ممثل الادعاء في قضية ناجي برواياته ضمن آخرين - لم يكونوا أقل جرأة - باعتبارها «مثلاً على مراعاة الآداب والأخلاق»، يستحق المتهم العقاب لعدم تمثله به. صحيح أنه لا يمكن الجزم بمستوى اطلاع ممثل الادعاء على أدب محفوظ. لكن لم تكن مفاجأة أن النائب أقر بأنه لم يقرأ شيئاً لمحفوظ الذي اعتبر أنه «يخدش الحياء»، فمن طعن صاحب نوبل الأدب العربية الوحيدة في منتصف التسعينات لم يكن قد قرأ أيضاً حرفاً مما كتب الرجل. وإذا أضفنا إلى منطق النائب والادعاء إغلاق السلطات مكتبتين لأطفال حيي دار السلام وطرة المنسيين على أطراف العاصمة، يتأكد أن مهمة معاداة الثقافة لم تعد حكراً على الإسلاميين الذين يسهّل الاستثمار في الفراغ علمهم. إذ لا يمكن فهم حرمان أطفال خذلهم لعقود تجاهل الدولة وتردي التعليم، من مساحات نادرة للقراءة وتعلم الفنون في أحياء لا تجد فيها غالبيتهم متنفساً سوى الشارع، إلا باعتباره استكمالاً للطعنة الفاشلة التي تلقاها محفوظ في قاهرته قبل أكثر من 20 عاماً.