هذه الحادثة تعود بنا إلى الوراء قليلاً لتذكِّرنا بحادثة هروب إحدى الفتيات إلى جورجيا بسبب ما تعانيه من عائلتها، حسبما صرحت به السفارة السعودية في جورجيا، وقبلها بثلاثة أعوام تقريباً فتاة الخبر التي تعتبر القضية الأولى من نوعها على مستوى السعودية، حيث إن الفتاة هُرِّبت إلى البحرين، ومنها إلى لبنان، ومن ثم إلى السويد بتخطيط من مقيم لبناني، الذي بدوره لم يكتفِ بتهريبها، بل قام كذلك بتنصيرها، كما أن الهروب كان بمساعدة موظف جوازاتٍ في جسر البحرين، الذي حُكِمَ عليه بالسجن تسعة أشهر، وتغريمه 20000 ريال، وأيضاً شملت الإدانة معقِّب الشركة التي عملت فيها «فتاة الخبر» بسجنه ثلاث سنوات، وتغريمه 30000 ريال. هروب الفتاتين إلى كوريا لاشك أنه سُبِق بإعداد وتخطيط، وتم بمساعدة أيدٍ أخرى شريكة في الجريمة، فالسفر إلى كوريا طويلٌ، والتكلفة ليست قليلةً، فالدولة تُعدُّ من أغلى الدول في تكاليف المعيشة، وهي تفرض ترتيبات أمنية مشددة، وفي استنفار أمني دائم تحسباً لأي حرب مع جارتها. اختيار كوريا قد يكون بسبب معرفتهما بالبلد نتيجة سفرات سياحية سابقة مع الأهل، وقد يكون نتيجة التخطيط المسبق من الأيدي الخفية. الذي يقلق في الموضوع هو سهولة الهروب، بكل بساطة، حيث إن الفتاتين قد تجاوزتا جميع النقاط الأسرية والمجتمعية والإنسانية والأمنية، وكسرتا جميع الحواجز نحو وجهة هي أقرب إلى المجهول منها إلى الحرية أو المعقول. من الواقعة يتأكد لنا أن الصاحب له دور كبير في التأثيرعلى صاحبه بنسبة تفوق تأثير الوالدين والمدرسة والمجتمع، وأن هناك مَنْ يسعى إلى إفساد شباب وشابات المملكة من خلال بث فكرة الهجرة والهروب التي تروِّجها أيضاً المسلسلات المدبلجة التركية وغيرها، ولا يمكن بحال من الأحوال الاستهانة بضررها، فخطرها يكمن في أنها ترسم للفتاة قناعات داخلية بأن الهروب هو المخرج لما قد تعانيه، بالإضافة إلى خارطة طريق تسهِّل عليها القيام بهذه المهمة، وفي غالب المسلسلات تنجح الفتاة بالهرب وبسهولة أياً كانت الوجهة. الموضوع في نظري لايزال غامضاً، وهناك عدة تساؤلات، وأصابع اتِّهام لجهات وأشخاص، ومع هذا كله، وأينما كانت وجهة الفتاتين الحقيقية، ففي النهاية هي جريمة في حق نفسهما وأهلهما والمجتمع، وما يجب أن تعيه كل فتاة يدور في خلدها الهروب لأي سبب كان، أنها في حال العودة لن تكون حياتها الأسرية والاجتماعية أفضل مما كانت عليه قبل الهرب، بل إنها ستؤول إلى الأسوأ، خاصة في مجتمع نادراً ما يغفر أو يتناسى الزلَّات. وفي مقابل هذه الجرأة من الفتاتين هناك جرأة لا تقل قبحاً، ألا وهي ما تلوكه ألسنة بعض الناس في أعراضهما ذماً وتفسيقاً وغير ذلك، ولاشك أن عائلتَي الفتاتين تتمنيان لو أن القضية لم تصل إلى حيز الإعلام، وأن الأمور لم تتجاوز محيط الجهات الأمنية. وبما أنها قد وصلت إلى الإعلام، الذي لا يرحم، فلا أقل من أن يلزم المتابع لها الصمت حتى يكشف لنا الوقت ما تبقى من الحقيقة. بالنسبة إلى نظام «أبشر»، هو، وإن كان قد سهَّل على المواطنين كثيراً من الإجراءات، إلا أنه لايزال في المهد، وفي حاجة إلى مزيد من العمل والإجراءات لسد مثل تلك الثغرات، ولا يمكن اعتباره شريكاً في الجريمة إذا كان التفريط من ولي أمر الفتاة بهذا الشكل، وبهذه السهولة، التي من خلالها استطاعت عمل تصريح سفر لها.