يسرى عادل (أبوظبي) اتخذت السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بعداً إضافياً جديداً غير مسبوق، في خضم أحداث كبرى ومعقدة، تحتاج بشكل كبير إلى الحزم والجرأة، بمقدار ما تحتاج من تعقل وروية، وهو ما ترجم من خلال العديد من المواقف المحورية تجاه الكثير من القضايا المصيرية التي تتعلق بالأمة العربية والإسلامية في ظل تمدد التنظيمات الإرهابية والتدخلات الخارجية. والمتابع لهذه السياسة يشهد بوضوح تركيزها بشكل كبير على مواجهة تهديدين كبيرين للأمن القومي العربي، هما الإرهاب الداعشي المتمدد في سوريا والعراق وليبيا وتهديداته للدول العربية والأجنبية، والتدخل الإيراني الاستفزازي الذي بات يتحدث علناً عن النوايا التوسعية في المنطقة، ليؤكد ما حذرت منه المملكة مراراً من محاولات تصدير الثورة الإيرانية، والعبث بأمن المنطقة عبر استغلال الشعارات الطائفية. ويجمع كل الذين عرفوا خادم الحرمين عن قرب، امتلاكه لـ«كاريزما» قيادية نادرة، حيث يتسلح بالهدوء والنفس الطويل، مع تمتعه بالحزم أيضاً. وصفة الحزم تجلت بوضوح في القرار الشجاع الذي اتخذه بعملية «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» دعماً للشرعية اليمنية في مواجهة مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية في اليمن، قاطعاً الطريق وبضربة استباقية في 21 أبريل 2015، على كل التدخلات الإيرانية التوسعية في الخليج العربي. مع إبقاء الاهتمام في الوقت نفسه على الملفات الأخرى التي تشهدها أكثر من دولة عربية، لاسيما في سوريا والعراق وليبيا ولبنان. ولم يكتف الملك سلمان بن عبد العزيز في إبداء الحزم الواضح تجاه الملفات الساخنة في المنطقة، وإنما سعى أيضاً إلى مساعدة الدول العربية لتخطى أزماتها ولاسيما مصر، حيث وصلت العلاقات الثنائية في عهده إلى أعلى مستوياتها عسكرياً واقتصادياً واستراتيجياً بين البلدين، بالإضافة إلى مشاركة مصر ضمن قوات التحالف العربي في اليمن والتحالف العسكري الإسلامي بقيادة الرياض، وذلك من منطلق «أن أمن السعودية والخليج من أمن مصر والعكس صحيح»، وهو ما يؤكد أن مصر والسعودية يشكلان درعي وسيفي الأمة العربية. والمتابع للسياسة الخارجية يلحظ بوضوح أيضاً التحول الكبير على المستوى الإقليمي والدولي أيضاً. فمنذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز العرش في 23 يناير 2015، أعيد رسم علاقات المملكة بالعديد من الدول لاسيما تركيا لكونها من الدول التي تملك مشروعاً سياسياً واقتصادياً واضحاً، وهو مشروع يتناقض في مضمونه مع المشروع الطائفي لإيران، وروسيا في بادرة لافتة، تحمل الكثير من المعاني والرسائل السياسية في آن واحد، على الرغم من استمرار التباين حيال الأزمة السورية. مبادئ وثوابت تنطلق السياسة الخارجية للمملكة من مبادئ وثوابت ومعطيات، أهمها حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والجزيرة العربية، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول ويدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الانحياز، وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة، ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية، وإدانة ورفض الإرهاب العالمي بأشكاله وأساليبه كافة، والتأكيد على براءة الإسلام من كل الممارسات الإرهابية، وعدم الانحياز، ونبذ المحاور والأحلاف التي تخل بالأمن والسلم الدوليين، مع احترام حق الشعوب في تقرير المصير وحقوقها المشروعة في الدفاع عن النفس. ... المزيد