تعقيبا على ردود الأفعال من بعض القراء الأعزاء لمقالتي الأسبوع الماضي (مجتمع صناعي مُنتج)، التي فتحت دفتر ذكريات مرَّ بمخيلتي لعل من أهمها في طفولتي وترقب حضور يوم السبت في الإجازات لمرافقة والدي رحمه الله أو أحد إخوتي (أبو خالد أو أبو عبدالله) حفظهما الله لسوق (الغشامرة) حيث نسارع الخطى لاكتشاف ما يستجد من معروضات ومنتجات لأسر سعودية تعمل طوال الأسبوع لعرض منتجاتها في أحد أيام الأسبوع الذي تتوزع فيه الأسواق ما بين المحافظات والقرى الكبرى ولعل أشهرها سوق الخميس في (الباحة) والسبت (بلجرشي)، حيث تجد العطار والنجار والحداد وبياع الملابس والطعام حسب المتوفر وقتها بصورة محدودة وصناعة وطنية «صرفة»، تتعدد فيه السلع حسب الحاجة والطلب إضافة لما يلبي احتياجاتنا كأطفال من ألعاب كنا نقابل الرفقة ونتسوق و(نتسكع) إلى أن يحين موعد العودة للمنزل بما نحمله قوتا لأسبوع كامل وهكذا تسير الحياة، بعض مشترياتنا تكون بالمقايضة وبعضها شراء نقدي، والسوق لا يقتصر على الشراء والبيع ولكن تجد الشاعر في زاوية يلقي القصائد وآخر يعطي ما يستجد من علوم وأخبار محلية وعلى مستوى المملكة وخارجها، كل هذا الآن اندثر وانتهى ولم يعد لأغلب تلك التظاهرات وجود، مع تطور حياتنا الاقتصادية والانتقال لطفرة بداية الثمانينات في عهد الملك خالد رحمه الله أصبح الجميع يحب أن يعمل في القطاعات الحكومية بحثا عن وظيفة آمنة في ظل ارتفاع الرواتب وقتها أضعافاً مضاعفة وهروبا من شقاء العمل في الصناعة والحرف اليدوية التي لم تكن منظمة ولكن تدار بجهود ذاتية محدودة الفكر، ازدهار الوضع الاقتصادي فتح موانئ السعودية شرقا وغربا لإنزال البضائع والسلع من كافة أصقاع الأرض وتوفرت للمواطن خيارات متعددة سهلت له حياته للعيش بسعادة متناهية، في نقاش ثري ضم نخبة من الزملاء (سعيد غنام والعميد أحمد البخات ويحيى دماس) وبقية الأحبة أبو ريان وأبو خالد أبو وزير وأبو عمر..) عن ما كنا عليه وما أصبحنا نعيشه واقعاً فرض علينا، تدارسنا عدة محاور ربما يكون من أهمها ما صاحب انتقال الأسر للمدن الكبرى بحثا عن وظائف واستكمال دراسة ذويهم في الجامعات التي كانت لا تتوفر كما هو الآن في كافة مناطق المملكة وما صاحب ذلك من تكدس ومعاناة في المدن الكبرى وهجرة في القرى والأرياف واختصرت التوصية بأن تعود الأسر للعمل في مصانع أو معامل صغيرة تتوزع على كافة مناطق المملكة بدعم وتوجيه وإشراف وحضانة كاملة من الجهات الحكومية التي لها علاقة مباشرة استغلالا للطاقات والقوة العاملة المعطلة وبالذات الخريجين القادمين من الابتعاث الخارجي وضخهم في بيئة عمل وفرص واعدة ولعله من المناسب التذكير بفتح مدن صناعية في كافة المناطق بتهيئة البنية التحتية وتقديم الفرص لمن يريد أن يستأجر لإنشاء مصنعه بسعر رمزي وبدعم حكومي متى ما كانت الدراسة مجدية، وهذا كله سيفتح الباب لتنمية مستدامة تتضخم فيه ثرواتهم وتعود الروح لمناطقهم المهجورة وتزدهر ويخف الضغط على المدن الكبرى، فلنعمل لتحجيم استيراداتنا لكل احتياجاتنا من الخارج لتوفر بديل مناسب وجب دعمه فنتاج ذلك تقوية مفاصل وعظم اقتصادنا وتعدد مصادره وتجفيف تحويلاتنا الخارجية التي نحن أولى بها من غيرنا..!