النسخة: الورقية - دولي إثر سقوط نظام فيكتور يانوكوفيتش وحاشيته الأمنية بين ليلة وضحاها، سارعت روسيا إلى تنفيذ خطة الانقضاض العسكري على أوكرانيا مكافأة لها على عدم رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوراسيوي والتحول إلى مستعمرة روسيّة. ولطالما كانت الدوائر الرسمية في روسيا على يقين من أن بلوغ المعارضة الأوكرانية الحكم- وهذه تميل إلى الاتحاد الأوروبي- يترتب عليه انقسام أوكرانيا، وفي أحسن الأحوال تحولها إلى جمهورية فيديرالية ضعيفة، ينتهي بها الأمر إلى التفتت وانضمام أطرافها الجنوبية والشرقية إلى الاتحاد الأوراسيوي. لكن الأُمنية الروسية لم تتحقق، إذ سقط نظام يانوكوفيتش واستلمت المعارضة الحكم ولم تنقسم أوكرانيا، حتّى في القرم حيث تصدى تتار شبه الجزيرة لبعض الانفصاليين الروس. لذا، اتخذت موسكو قرار التدخل العسكري قبل أن تقوى شوكة الحكومة الجديدة. وعقد اجتماعان للمجلس العسكري الروسي حول الأزمة الأوكرانية في 21 شباط (فبراير) و25 منه. وخلص، كما يبدو، إلى قرار بإرسال القوات والوحدات العسكرية إلى شبه جزيرة القرم تحت ستار مناورات عسكرية بدأت فجأة في اليوم التالي. وسعت التحركات الضخمة للقوات العسكرية الروسية (حوالى 150 ألف شخص)، وآلاف المركبات المدرّعة، ومئات الطائرات الحربية والمروحيات، إلى إلهاء وسائل الإعلام الأميركية عن رصد الأهداف الفعليّة لهذه المناورات العسكرية. وبدا أن ثمة فائدة ترتجى من نشر القوات في مواقع القتال وتجهيز الطائرات واستدعاء الاحتياط العسكري من المناطق البعيدة في سيبيريا، في حال أدت عملية «شبه جزيرة القرم الروسية» إلى حربٍ إقليمية خطيرة بمشاركة الغرب. بدأت خطة الاستيلاء على شبه جزيرة القرم في 27 شباط إثر سلسلة من الإجراءات شاركت فيها قوات الأسطول الروسي في البحر الأسود وبعض فرق العمليات الخاصة. وسيطرت هذه القوى على أهداف استراتيجية مثل الطرق والمطارات ومراكز الاتصالات ووسائل الإعلام، والمراكز العسكرية والحكومية التابعة لكييف. ولا يخلو من فكاهة وطرفة إعلان أن أفراد هذه القوات هم مواطنون محليون منظمون للدفاع عن النفس. وهذا لا ينفي حقيقة أن هناك بعض الميليشيات المحليّة الروسيّة، وبعض القوزاق الروس في صفوف هذه القوات، لكن دور هؤلاء هامشي وثانوي. وسيطرت الوحدات الروسية الطليعيّة على المطارات الرئيسية في شبه جزيرة القرم لتأمين نقطة انطلاق لنقل القوات الخاصة. وعلى خط مواز، رفضت وزارة الخارجية الروسية إجراء مفاوضات واتصالات لتذليل مشكلة القرم مع الحكومة الأوكرانية المؤلفة أخيراً برئاسة ياتسينيوك الذي تعتبره موسكو زعيماً «بلطجياً». ويبدو أنها تبنّت يانوكوفيتش واعترفت به رئيساً شرعياً، وهي مستعدة لإعادته إلى بلاده على الدبابة الروسية. ومنذ الأول من آذار (مارس)، بدأت طائرات الشحن الروسية «أيل-76» بالهبوط في المطار العسكري قرب سيمفروبل، وانتشرت الطائرات المروحيّة الروسية. فالجسر الجوي الروسي بدأ عمله، وقطعت الاتصالات في شبه جزيرة القرم واستُولِيَ على مباني التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى، وحظرت رحلات الطيران المدني. لكن موسكو تفتقر إلى ذريعة مقنعة تسوِّغ الغزو، كما حصل في 2008 إبان حرب جورجيا. فالقوات الأوكرانية رفضت إلى اليوم إطلاق النار حتى من أجل تحرير المراكز المحتلة في القرم. ولا نشاط لمتظاهري مَيْدان في القرم. لذلك، الفوضى مردها حصراً إلى نشاط الجيش الروسي والشرطة واللصوص المحليين الموالين لروسيا. وبادرت موسكو إلى التدخل العسكري في شبه جزيرة القرم من دون عملية استفزاز أو تحرك عسكري من الجهة الأوكرانية. وأكد الرئيس باراك أوباما في بيان ما أعلنه القائم بأعمال الرئاسة الأوكرانية ألكسندر تورتشينوف من أن سيادة أوكرانيا انتُهكت. تفتش روسيا عن ذريعة مماثلة لحربها مع جورجيا تسوِّغ هجوماً على أوكرانيا، يتبعه السيناريو المعروف، أي شجار «كلامي» مع الغرب ثم نسيان سريع للعدوان فاستئناف العلاقات التجارية الروسية- الغربية وعودة الأمور إلى ما جرت عليه. لكن الجيش الأوكراني والشرطة وغيرهما من قوات الأمن العديدة في البلاد متمسكة بالبقاء في مراكزها وقواعدها وثكنها. ومثلها تفعل حكومة ياتسينيوك «المَيْدانية» التي لا تبدو مستعجلة للتحرك، إذ يحتفل قادة أوكرانيا الجدد بصمودهم الذي دام 3 أشهر وهم مقتنعون بأن الخاسر هو مَنْ يطلق النار أولاً. * محلّل عسكري، عن صحيفة «نوفايا غازيتا» الروسيّة، 1/3/2014، إعداد علي شرف الدين