لم يكن وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار يعلم أن الاتفاقية المتعلقة بالبكالوريا الدولية التي وقعها مع نظيره الفرنسي أخيراً ستجلب له المتاعب وردود فعل غاضبة. فقد طالب الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، بإلغاء الاتفاق «الانفرادي» لوزير التربية مع دولة أجنبية، بسبب «تعارضه مع مقتضيات الدستور الذي ارتضاه المغاربة ويناقض البرنامج الحكومي الذي صادق عليه ممثلو الشعب المغربي». وشجبت «المنسقية الوطنية للائتلاف» في بيان، الاتفاقية المذكورة باعتبارها «تراجعاً خطيراً من طرف وزير التربية الوطنية الذي يُفترض فيه أنه ينتمي لحكومة أعربت في برنامجها أنها ستعمل على النهوض باللغتين الرسميتين وحمايتهما». وحمّل الائتلاف المكون من أكثر من 100 جمعية، رئيسَ الحكومة عبد الإله بن كيران مسؤولية ما وقَّع عليه وزير التربية الوطنية، وأهاب بجميع الأحزاب والهيئات السياسية والمدنية والنقابية بكل اتجاهاتها وتلاوينها التصدي لهذا التوجه الفرنكوفوني، والاستعداد لكل الأشكال النضالية لإيقاف هذا المنحى التراجعي الخطير والمضر بالمدرسة المغربية وبمستقبل الأجيال. واعتبر الائتلاف، أن الخطوة «الانفرادية» التي أقدم عليها بن المختار، توجُّهٌ يروم إلى «تكريس التبعية للنموذج الفرنسي وتعميق الارتباط بالمركز الفرنكوفوني ضِدًّا من كل مكتسبات النقاش اللغوي، وتوجيهاً لعملية إصلاح التعليم المنتظرة قبل الانتهاء من الشكل الجديد للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي». وعلق الباحث بلال التليدي على هذه الاتفاقية بكونها ترسم المقدمات الأولى لإحداث شرخ في المنظومة التعليمية في المغرب، بحيث سينهض في القريب العاجل تعليمٌ نظامي فرنسي في المغرب إلى جانب التعليم الوطني، وسيكون له بالتدريج الأثر في تغيير كل التوجهات الاستراتيجية التي تم التوافق عليها في ميثاق التربية والتكوين، فاليوم يمكن أن تعتمد 16 مؤسسة تعليمية البكالوريا الدولية الفرنسية، وغداً سيفتح أفق تقييم هذه التجربة المجال لإدانة مسار التعريب وتعليق مشكلات المنظومة على شماعته واعتباره عائقاً تستوجب إزالته من طريق إنجاح تجربة هذه البكالوريا، وسيصبح التعليم في المغرب يقدم خدمة مجانية للنظام التعليمي الفرنسي، ولن يصبح بعدها للشهادة الوطنية أي قيمة. وما دامت السوق المرتبطة أصلاً بالشريك الفرنسي ستشترط البكالوريا الدولية الفرنسية وسيقع الانزياح الكامل عن البكالوريا الوطنية، تماماً كما وقع ويقع لشعب التعليم الأصيل التي انتهت بها المنظومة التعليمية لكي تكون سلة المهملات التي لا تستقبل سوى ما عافته الشعب الأخرى». في المقابل عبر مهتمون بالشأن التربوي على ان تعميم هذه التجربة على جميع مؤسسات التعليم المدرسي، ستعود بالنفع على التلاميذ خصوصاً إذا كان طموحهم ولوج الأقسام التحضيرية لكبريات مدارس الهندسة، كالبوليتكنيك ومدارس القناطر والجامعات الكبرى ومدارس الاقتصاد. ويعتبر هؤلاء أن تقدم اللغة لصيق بتقدم البحث العلمي، لذلك تجد الإنكليزية لغة قوية، ويجب بالتالي أن تكون الفرنسية وسيلة للانتقال التدريجي إلى الإنكليزية لغة العلم والتكنولوجيا لأكثر من 90 في المئة من سكان الأرض. أما المقاربة «الأيديولوجية الإخوانية فستعود بنا إلى العصر الحجري»، بحسب هؤلاء، معتـبريـن أن المـشكـلة ليسـت في العربية أو الفرنسية أو حتى الإنكليزية، وإنما بسياسة التعليم في المغرب وجودته. وعلق أساتذة ومتابعون أنه لن يكون للبكالوريا المغربية الوطنية أي مكانة أو حظوظ لجهة التسجيل في الجامعات الفرنسية وغيرها مقارنة بنظيرتها الدولية التي ستفتح لها رحاب واسعة، إضافة إلى أن بدء العمل بهذه الشهادة ابتداء من الموسم الدراسي الحالي 2013-2014 يتناقض كلياً مع النصوص القانونية المنظمة لامتحانات البكالوريا، والمذكرة 43 في شأن تنظيم الدراسة بالتعليم الثانوي. وتنص الاتفاقية على إدخال نظام «بكالوريا دولية فرنسية» إلى التعليم العمومي، مع استفادة المغرب من الدعم التقني الفرنسي والخبرة الفرنسية في مجالات الهندسة التعليمية وتكوين الأساتذة والتقويم لدعم البكالوريا الدولية. ودخلت هذه البكالوريا حيز التنفيذ ابتداء من الموسم الدراسي الجاري في ست ثانويات في الدار البيضاء والجديدة وأكادير ومراكش وطنجة، على أن يتم تعميمها على 83 نيابة إقليمية للتعليم ابتداء من الموسم الدراسي 2014- 2015، وذلك بالتعاون مع المراكز الثقافية الفرنسية في المغرب وعددها 11. وتأتي هذه الاتفاقية بعدما أعلن شارل فرييس سفير فرنسا بالمغرب، أن القنصليات العامة الفرنسية بالمغرب تعتزم تسليم «تأشيرة التنقل شينغن» لمدة سنة على الأقل لجميع الطلبة المغاربة الذين حصلوا على دبلوم في فرنسا يعادل كحد أدنى شهادة الماستر، وذلك ابتداء من شهر آذار (مارس) المقبل. وأضاف أن هذا الإجراء التسهيلي يعكس روح انفتاح جديدة تتمثل في الاستجابة لانتظارات المغاربة الحاملين لشهادات عليا والراغبين في التأكد من أنه في حال عودتهم إلى المغرب من أجل الاسـتقرار، يبـقى في وسـعهم العودة بكل سهولة إلى فرنسا. علماً أن فرنسا تضم 32 ألف طالب مغربي يمثلون أكبر نسبة من الطلبة الأجانب، أمام الصينيين والجزائريين. وزير التربية الوطنيةرشيد بلمختار