أغرب ما قرأته في الأيام الماضية، هو ادعاء أحدهم أن ما يثار في الإنترنت من سباب وشتم بين فريقين رياضيين هو مخطط صفوي صهيوني يهدف إلى تفرقة شعب المملكة. نسي الأخ أن المعركة قائمة منذ زمن طويل وأنها جزء من تركيبة العلاقة التنافسية بين الأندية التي تحتد كلما اقترب متنافسان من منصات التتويج، وتخبو بابتعادهما. حالة ليست شاذة، فنحن نرمي بالاتهامات يمنة ويسرة، فمن متهم للجهات الخدمية بانخفاض الأداء، إلى ناعتٍ للقوانين والأنظمة بالجور والتسلط، إلى شاكٍ من صلف وتعنت الموظفين، ومطالب بالرقابة على القطاع الخاص ومخرجاته وقوانينه وتطبيقاته. تأتي الشكاوى من كل اتجاه ومن كل شخص، فالمطاعم تبيع الأغذية فاسدة، والأجانب يسيطرون على السوق ويخالفون الأنظمة دون رقيب ولا حسيب، والمواطن لا ينفع في أي عمل "أمر حاول أحد المتداخلين الاقتصاديين إقناعي به لمدة تجاوزت ساعتين"، وكأني به نسي أنه مواطن. "تجيير" المسؤولية عن كل شيء سلوك يميِّز المجتمعات التي لا تبحث في أسباب الفشل والإشكالات والخلافات والإخفاقات، لتعالجها بشكل علمي مبني على الحقائق. تبرز هنا أهمية ما نراه من معاهد ومراكز وجمعيات السبر والإحصاء والبحوث والتوقع المنتشرة في الدول المتقدمة. تؤكد هذه المنظومات أهمية التعرف على الحال وتشخيصه بالشكل الذي يحدَّد الأسباب ويصف العلاج. لنخرج بمجتمع يؤدي كل فرد فيه مسؤوليته ويحترم التزاماته ويعمل كجزء من منظومة متكاملة سعيدة، بدل الشكوى والتململ. تخيلوا معي أن كل واحد منا تولى مهام عمله بالطريقة التي ترضي الله سبحانه، أن كل موظف شمر عن ساعديه وفرَّج أساريره لمراجعيه، وأن السائق ركب سيارته مبتسماً وأردف بحسن الخلق مع السائقين الآخرين. تخيلوا أن مديري الجهات الخدمية طبقوا مبادئ القيادة الإدارية، ونزلوا للميدان ليتعرفوا على حوائج الناس ويسمعوا شكاواهم، وأن المواطن الذي يدير منظومة في القطاع الخاص فكر بعقل ومسؤولية وقلب و"جيب" المواطن الذي يستخدم سلعته أو خدمته، لو أن المستثمر السعودي رضي بالقليل وعمل الكثير لخدمة الدولة التي أعطته والمواطن الذي يشتري منه، لو أن المواطن جاهد ليأخذ مكانه في القطاع الخاص ودعمته مؤسسات الدولة، ألن يكون حالنا أفضل؟