النسخة: يقول أفلاطون: «القانون فوق أثينا»، وقرأت مرة أن «الحرية هي مبدأ القانون ومضمونه، والقانون مبدأ وحدة المجتمع والدولة»، والمفكر الألماني إيمانويل كان يعتبر الشرط الأساسي لإسعاد الشعب وازدهاره هو الحياة السلمية التي لا تتأتى إلا بدولة القانون. القانون يضع أقدام الأمم على أول درجة من درجات سلم الرقى والتقدم، والقضاء النزيه هو أساس لأي مجتمع متحضر قوي معاصر، وتنظيم العلاقات بين الناس، وبين مصالحهم، وبينهم وبين مصالح البلد، وبينهم وبين السلطات التشريعية والتنفيذية فيه، من أهم سبل النهوض بوعي أي شعب. تأسيس خادم الحرمين الشريفين لنظم وقوانين تجرّم وتعاقب من يقاتل في الخارج، أو ينتمي إلى المجموعات الإرهابية محلياً ودولياً هو خطوة قانونية مهمة، تبدأ من عنده بصفته ولياً للأمر، هو في ثقافتنا جزء من منظومة التشريعات الحياتية، وستتواصل عبر بلورتها ومزيد من تنظيمها وتفصيل موادها عبر الجهاز القضائي العدلي الذي سيوكل إليه إصدار الأحكام، وتنفيذها تبعاً لكل حال وقضية. إن تنظيماً دقيقاً للبيئة القانونية المتعلقة بقضايا الإرهاب سيقضي - فيما نحسب - على مناطق ضبابية رمادية في هذه الملفات التي يتداخل فيها الديني مع الاجتماعي، وتتضارب فيها العواطف والأحاسيس، وتتلون فيها العبارات، وتتباين الأفعال، وربما وضع بعض القضاة قبل هذه القوانين في موقع المحتار إذا كان ينشد عدلاً، أو استغل بعضهم مكانه وتعاطفه، وربما إيمانه بآيديولوجية معينة في تخفيف حكم ما، أو التغاضي عن شيء ما، وبالمثل ومن الجهة المعاكسة قد يغلظ قاضٍ أو منفذ آخر العقوبة، لأنه لا يرى شخصياً سلامة فكر معين. إن وجود قوانين واضحة وصريحة لجرائم سميت بأسمائها الصحيحة، سيساعد الجهاز القضائي على التعامل مع هذه القضايا بوصفها مخالفة للقانون، لا بوصفها غضبات شعبية ضدها، أو حتى أحياناً معها، ولا بكونها محط اهتمام إعلامي، ولا لأي سبب سوى أنها تخالف قانون المملكة العربية السعودية. إن الضرب بيد القانون على أيدي أصحاب الأجندات وعاشقي الدم والحروب المسيسة التي تلبس أثواباً عاطفية كاذبة هو في رأيي مزيد من الحرية يمنحها قائد بلادنا لبلادنا ومواطنيها ومقيمها، فالحرية والقانون وتطبيقه وتنفيذه صنوان دائمان في خريطة ملامح الدولة المدنية التي تنشد تحضراً ووضوحاً وشفافيةً. أتمنى على وزارة العدل شحذ الخبرات القضائية، واستشارة علماء الشريعة وأساطين القانون للخروج بأنظمة تفصيلية تنبثق عن أمر ولي الأمر، وتوضح العقوبات لكل قاضٍ ومحامٍ، وتفصل فيها وفي حدودها الدنيا والقصوى، ليكون واضحاً لدى المجرم مصيره، ولدى المجتمع وسائل حمايته. لقد عشنا ونعيش حالاً من الفوضى في خروج الشبان للقتال، وحال ضبابية في تحديد مسؤولية من يحرضهم، ومن يساعدهم، ويمولهم، وكل هذا يجعل بلادنا تنزف، ويجعل دموع الأمهات الثكالى، والآباء المكلومين، كجمر يمطر على سلمنا وطمأنينتنا، يحرق قلوبنا، ويرهق عقولنا. الرؤية السعودية تتجه للأمام، تذكرني بمقولة توماس إليوت: «فقط أولئك الذين يغامرون ويخاطرون بالتقدم إلى الأمام يعرفون إلى أي مدى يمكننا أن نصل». mohamdalyami@gmail.com @mohamdalyami