×
محافظة المنطقة الشرقية

بالصور.. ٥٠ شابًا وشابة في دورة الألعاب التدريبية مع “الأيوب” ضمن برنامج “تطوع بموهبتك ٢”

صورة الخبر

علمونا في المدارسِ أن "العلم هو سلاحُ التلميذ"، ومع ذلك ما زالت الدول العربية تُعاني من مشكلاتٍ كبيرة في التعليم وفي تخريج طلابٍ ذي كفاءاتٍ عالية في جميع المراحلِ الدراسية، بدءاً من الابتدائي، وصولاً للثانوي. سببُ كتابتي لهذه المقالة هو نداءٌ لجميع حكومات ووزاراتِ التعليم العربية، مطالباً إياهم بتغيير جذري وفوري لنظمِ التعليمِ في المدارسِ، وإلا سنكون أمة خارجَ الحساباتِ وخارج السباق مع الأمم الأخرى. الآن أدرسُ في جامعة ساينس بو (SciencesPo) الفرنسية، إحدى أفضل جامعات العالم في الدراسات السياسية والاقتصاد، إن ما لاحظتهُ في الأشهر القليلة الماضية منذ بدء العام الدراسي هو الاختلاف الكبير بين طالبٍ عربي مثلي وطالبٍ أجنبي، الاختلافات تكادُ لا تُحصى ولا تعد ولا يمكن تخيلها في كيفية طريقة عمل وتفكير طالبٍ أجنبي وطالبٍ عربي، ما جذب انتباهي وأوقظ فكري لملاحظة هذه النقاط والاختلافات، هي العوائق التي واجهتُها في مسيرتي العلمية في هذه الجامعة بسبب التعليم العربي الضعيف الذي تعلمته. فمثلاً، عملية دخول هذه الجامعة العريقة ليست بحلِ امتحان صعب ومعقد لمدة أربع ساعات؛ بل يعطون الطالب مقالة من وكالة إخبارية، وعليه أن يحللها في غضون نصف ساعة، وأن يقدمها في أقل من عشر دقائق أمام هيئة مكونة من أساتذة أو أشخاص محترفين، المهمة، هو أن يقوم الطالب بقراءة المقالة، وأن يحللها باستخدام أدوات التحليل لديه وقدرته على استخدام تفكيره النقدي في محاولة فهم وشرح مضمون المقالة وتقديمها بثقة وهدوء تام أمام الهيئة. كانت هذه التجربة من أصعب تجارب حياتي، لا سيما أنها ستحدد مستقبلي ومسيرتي الأكاديمية، ولولا نشاطاتي غير المدرسية التي شاركتُ بها والكتب غير المدرسية التي قرأتها، لما تمكنتُ من النجاح في تلك المقابلة؛ لأنه وللأسف الشديد، لم نعتَد في مدارسنا على هذا النوع من الاختبارات، علمونا أن ندرس ونحفظ كل كلمة في الكتاب المدرسي؛ لنأتي في اليوم التالي إلى المدرسة؛ لنستفرغ جميع ما درسناه في الليلة الماضية على الورق، ونسيانه فور خروجنا من قاعة الاختبار. أما في حالة الطالب الأجنبي، فهي قد تكون بمثابة امتحان عادي معتادٍ عليه، إذ إنها لم تكن المرة الأولى التي يُطلب منه استخدام قدراته التحليلية وقدرته على أن يعكس مضمون المقالة على أمثلة واقعية حقيقية. النقطة الثانية والأهم، وهي البحث (research)، أحد أهمِ القوانين في نظام التعليم الفرنسي هو (anti-plagiarism) وهو قانون ضد سرقة الأعمال الأدبية من الآخرين، فمثلاً، إذا طُلب منا أن نكتب مقالة أو أن نبحث في موضوعٍ ما، فيجب علينا ذكر جميع المصادر التي تمت الاستعانة بها أو قراءتها أو دراستها وتجميعها في صفحة منفصلة عن البحث، وهذا ما يسمى بالأمانة العلمية، أي أن لا تقرأ أبحاث الآخرين، وأن تستعين بأفكارهم وأن تكتبها في بحثك، وتدّعي أنها من صنعك وعقلك، إذا ثبتت الدلائل أن طالباً ما قام بسرقة عمل أدبي من كتاباتٍ أخرى عمداً، فبحسب القانون الفرنسي، سيتم طرده من الجامعة، وسيتم إصدار قرارٍ حكومي في حقه بمنعه من دخول أي مؤسسة تعليمية فرنسية، خاصة أو عامة طوال حياته، وسيطرد من السلك التعليمي الفرنسي بالكامل دون رجعة. حسب شهادة طالبة أميركية وزميله في الجامعة، فبدأت بتعلم كيفية البحث (research) وكتابة مقالة (essay) وذكر المصادر (resources) وإبراز رأيها الشخصي فيها في مواضيع عميقة وصعبة تحتاج لبنية قوية من المعرفة منذ الصف الرابع الابتدائي وصولاً للثانوية العامة. أما بالنسبة لي فلا أذكر سوى حصة واحدة في الصف العاشر في مادة اللغة الإنكليزية في كيفية كتابة الـessay ولولا المحاضرات والنشاطات التي شاركتُ بها خارج المدرسة لما كنت عالماً بكيفية كتابتها. تتعدد النقاط الأخرى المهمة من مستوى اللغة الإنكليزية لفهم المحاضرات جيداً وقراءة الكتب بلغة غير اللغة الأم إلى السرعة في الطباعة على اللابتوب؛ نظراً إلى أن الدفاتر والمذكرات أصبحت أقل استعمالاً إلى السفر إلى أماكن جديدة ودولٍ جديدة والاحتكاك مع الثقافات الأخرى، ولكن هناك نقطه أهمُ بكثير، وهي شخصية الطالب نفسه وثقته بنفسه واحترام الآخرين له. في هذه الجامعة، لكل صف مُمثلٌ لطلابه، وظيفة الممثل هو تقليلُ الفجوة بين الطلاب والأستاذ في حين وجود سوء فهم أو شكوى من الطلاب فيذهب الممثل أو طالب من الطلاب لمقابلة الأستاذ وجهاً لوجه في جلسة من رجل إلى رجل لمناقشة النقاط أو الشكاوى التي تم ذكرها من قبل الطلاب وإجراء حوارٍ بناء مبني على التفاهم والنقاش. أما في حالة المدارس العربية، فما زلت أذكر أستاذ اللغة العربية، وهو يُلوح بعصاه الخرزانية منتظراً خطأ طالبٍ أو طالبة في الصف ليعاقبه/ها عليه/ها ويا ويلتاهُ لو اشتكت أو اشتكى طالبة أو طالباً من الأستاذ. إن معاملة الأساتذة والإدارة في هذه الجامعة تجاه الطلاب تكون بمثابة معاملة أبٍ لابنه، فهم يدركون أنهم يصنعون قادة الغد ويدركون مدى تأثير معاملتهم المبنية على الاحترام المتبادل على الطلاب وعلى شخصياتهم لتنضج. من نافلة القول أن لا تكون المدرسة مقياس لقياس ذكاء أو إبداع الطالب؛ لكن هي بالتأكيد أهم مرحلة في بناء عقل يفكر ويسأل ويشكك ويبحث، ذي شخصية صحية رزينة واثقة، بدلاً من عقل فقط يعرف ويحفظ وشخصية ضعيفة مكسورة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.