أثناء نشوب الحرب السعودية اليمنية عام 1352هـ/ 1933، والتي دخلتها المملكة مضطرة بعد استنفاد كل وسائل الصبر والتحمل، كان الملك عبدالعزيز آل سعود واضحاً وصريحاً كعادته في كل مواقفه السياسية يريد أن يوضح للرأي العربي والإسلامي والدولي أنه لم يكن يرغب الدخول في الحرب مع شقيقته وجارته مملكة اليمن. وقبل دخوله الحرب اضطراراً كان بينه وإمام اليمن مراسلات وتبادل سفراء ووفود، الهدف منها الوصول إلى حل للخلافات بين الطرفين على الحدود بالطرق السلمية، وكان الملك عبدالعزيز يدرك أن الطرف اليمني يريد إطالة أمد المحادثات التي يظهر من طريقة الطرف اليمني بأنه يريد أن يحقق مكاسب على الأرض، حيث تقدم جيشه في أكثر من جهة على الحدود السعودية، وتوج ذلك باحتلال نجران عسكرياً رغم أن المحادثات لا تزال جارية. ولإبراء الذمة وتبيين موقفه أمام الرأيين العربي والإسلامي، قام بنشر كل الرسائل والبرقيات وتقارير الوفود عما دار بينه والإمام، ونشر ذلك تباعاً في جريدة أم القرى الجريدة الرسمية السعودية، ثم قام بعد ذلك مباشرة بنشر كل تلك الرسائل والبرقيات ومحاضر اجتماعات الوفود في كتاب أطلق عليه اسم الكتاب الأخضر السعودي وقام بنشره في كل العواصم العربية لكي يكون العرب على بينة بأن الملك عبدالعزيز لم يترك وسيلة من أجل تفادي الدخول في حرب مع جارته وشقيقته اليمن، ومن ثم دخل الحرب بعد ذلك مضطراً، ولم يكن له هدف احتلال أي جزء من بلاد اليمن أو توسيع نفوذه على حساب اليمن. وحرر خلال هذه الحرب نجران من القوات اليمنية التي أحرقت الأخضر واليابس في نجران، وتقدمت قواته في السواحل اليمنية فاحتلت الحديدة ميناء اليمن الرئيس، ولم يكن يرد الاحتفاظ بأية بقعة احتلتها القوات السعودية، إنما إجبار حكومة اليمن على إنهاء الخلافات الحدودية على ضوء كل ما كان الملك عبدالعزيز يعرضه على إمام اليمن، وما كان اليمن قد وافق على معظمها من خلال المحادثات، ولكن كان الإمام تحت تأثير عوامل محلية وإقليمية على رفض حل خلافاته مع المملكة من خلال الوسائل والطرق السلمية، مشيراً إلى أن الرأي العام العربي والإسلامي وقف إلى جانب الملك عبدالعزيز الذي كان بفضل وضوحه ونشر وجهة نظره لكل العالم، وإبان انتصار قواته في حرب دفعت إليها دفعاً دفاعاً عن وحدة أراضيها وأمن وسلامة مواطنيها بأنه لا يريد لليمن شراً ولا احتلال أي شبر من أرضه. وقد وثق الباحث والمؤرخ الدكتور محمد آل زلفة كل ماورد بالكتاب الأخضر السعودي عبر مؤلف مكون من 253 صفحة تحت مسمى بيان عن العلاقات بين المملكة العربية السعودية والإمام يحيى حميد الدين بين عام 1925- 1934موصدر مؤخراً عن مركز آل زلفة الثقافي والحضاري ودار بلاد العرب للنشر ، وذكر أن أبرز الصعوبات التي واجهته هو البحث عن الكتاب بحد ذاته ، وقال :للأسف أن مراكز البحوث لدينا ودارة الملك عبدالعزيز وغيرها لم يكونوا يحتفظون بالصحف في ذلك الوقت ، ولم نجد نسخة من الصحف إلا في مكتبة أرامكو في وقت متأخر ، وأيضا من الصعوبات أن دارة الملك عبدالعزيز وبعض المتحفظين حكموا على الأمور بمنظورها اليومي ، ولم يكن يتوقعون أن الملك عبدالعزيز يرسل هذه البرقيات ، ويجادل في الحق ، ويتكتمون على مثل هذه الوثائق ويقولون ليس هذا وقتها . ولكن وفقت في الأخير بنسخة مصورة عند أحد الأصدقاء ، فمسؤوليتي كمؤرخ وباحث هو توثيق التاريخ وإعادة طباعته ، مضيفا لقد عانيت كثيرا في الجمع والطباعة ليكون الكتاب يستحق أن يقتنيه كل باحث ومؤرخ ومعتني بالشأن اليمني لأنه نسخة طبق الأصل من مايحدث اليوم من المماطلة والنقض بالعهد والتفاوض والمراوغة من الحوثيين اليوم ، والحمد لله أن الكتاب خرج للنور بهذا الوقت الذي يكرر التاريخ فيه نفسه. وقال آل زلفة : وفقت بالكتاب ولكني لم أوفق بالإعلام الذي يتحدث عنه أو يبرزه في المجال السياسي ، أو صحفي مهتم بالشأن التاريخي السياسي ، خاصة لتسارع الأحداث وكثيرا مما لم ينشر حول هذه الحرب السعودية اليمنية . وأيضا نحتاج رقيب أكثر مرونة ،حيث عانيت من عدم السماح بالنشر مع أنه بعد 50 عام يحق لأي ناشر بإعادة نشر الكتاب لأن الملكية الفكرية تكون انتهت ، وأيضا لم يتم الفسح بالطباعة داخل المملكة ، فتم الطباعة خارج المملكة، مضيفا،أنا جندي في مجال إظهار الحقائق ، وقد أخذ مني التجهيز للكتاب والجمع قرابة العامين ، لأن التصوير كان سيئ وربما هناك نسخ لم أحصل عليها ،والذي طبعه ذاك الحين وزارة الخارجية ، مشيراً إلى أن هذا الكتاب عد فيما بعد في نظر بعض البيروقراطيين، من الوثائق السرية التي لا يجب الاطلاع عليها، وظل كذلك لفترة طويلة وإلى وقت قريب، وأنا متأكد أن ذلك البعض لا يعرف عن الكتاب شيئاً إلا حينما تم العثور عليه بالصدفة ضمن أكداس أوراق وزارة الخارجية في الفترة المتأخرة التي ظلت مكدسة لسنوات طويلة. بما يعني أننا كنا متقدمين جدا بالوعي وإلجام الأعداء بالحقائق ، ولكن أتت فترة غابت عنا الحقائق..بما كتبه التاريخ الحقيقي. وختم بقوله :يجب أن يكون لدينا مركز متخصص متكامل عن دراسات المملكة للأوضاع السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ، لكي لا تتكرر الأخطاء ، ولانخدع..ونعلم أن الملك عبدالعزيز رحمه الله سبق عصره في مجابهة من يتحدى مشروعه الوطني والوحدوي بإبداء الحقائق لمن يريد أن يزيفها، فهو دائما يبني خططه على وضوح كامل لاغموض فيه، وهذا الوضوح في سياسة الملك عبدالعزيز كانت من أهم النجاحات في مقارعة من تحدوا مشروعه، لأن توحيد المملكة بهذا الاتساع لم يكن فيه سطوة أنما كان باستجابة الأغلبية من اللذين أصبحوا يشكلون الوحدة الوطنية .