يقول مختصون في الأمم المتحدة ومتخصصون في علم المناخ "إن أجف شتاء تشهده منطقة الشرق الأوسط في بضعة عقود ربما ينذر بارتفاع أسعار الغذاء العالمية مع نفاد المحاصيل المحلية وتأزم سبل العيش للمزارعين". وبدرجات متفاوتة أصاب الجفاف نحو ثلثي الأرض الصالحة للزراعة والمحدودة أصلا في سورية ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية والعراق، وفقاً لـ "رويترز". وأفاد محمد حسين المتخصص في الاقتصاد البيئي في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" أننا إذا نظرنا إلى الـ 100 عام الماضية فلا أعتقد أننا سنجد خمسة أعوام متتالية شهدت مثل هذا الجفاف. وأضر الجفاف بالفعل بمحاصيل الحبوب في مناطق في سورية وبدرجة أقل العراق، وبعض الدول المتضررة من الجفاف هي بالفعل من كبار مشتري الحبوب من الأسواق العالمية. وذكر ناقد خميس مختص البذور والاستشاري في "الفاو"، أنه عندما تجد الجهات المسؤولة عن استيراد السلع الغذائية الأساسية نقصا في الإنتاج ستتجه إلى الأسواق الخارجية حيث سيدفع الطلب الزائد بلا شك أسعار الغذاء العالمية للارتفاع، ويظهر مؤشر المطر أن المنطقة لم تشهد نقصا في مياه الأمطار على هذا النحو منذ عام 1970 على الأقل. وأضاف حسين "إن هذا جزء من النتائج الأولية لدراسة فنية مشتركة عن إدارة مخاطر الجفاف أجرتها عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة منها "الفاو" وبرنامج التنمية ومنظمة التربية والعلوم والثقافة "يونسكو" ومن المقرر نشرها هذا الشهر". ويعتقد مختصون في علم المناخ ومسؤولون أن السلطات المسؤولة عن المياه والزراعة إضافة إلى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة بدأت إعداد خطط للإعلان رسميا عن حالة جفاف في الشرق الأوسط تمتد حتى المغرب وجنوبا حتى اليمن. وقال محمد الخولي مختص الموارد الطبيعية في مؤسسة بلانينك الاستشارية الدولية المتخصصة في الدراسات الجيولوجية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا "إن الجفاف يزداد حدة في أجزاء من شرق البحر المتوسط والعراق في حين يضرب بقوة سورية مجددا بعد بضع موجات جفاف في العقود الأخيرة". وفي الأردن وهو واحد من عشر دول تواجه أسوأ نقص للمياه في العالم، أشار حازم الناصر وزير المياه والري إلى أن مستويات سقوط الأمطار هي الأسوأ منذ بدء عملية التسجيل قبل 60 عاما. ويقول مسؤولون "إنه حتى بعد العاصفة الثلجية القوية المفاجئة التي اجتاحت المنطقة في منتصف كانون الأول (ديسمبر) كانت سدود المملكة ممتلئة بنسبة 42 في المائة فقط انخفاضا من 80 في المائة العام الماضي". وفي لبنان حيث جرد التغير المناخي منحدرات الجبال من الثلوج المطلوبة لإعادة ملء آبار المياه الجوفية ذكر فادي أسمر استشاري الأنظمة البيئية الذي يعمل مع وكالات تابعة للأمم المتحدة أن معدل سقوط المطر أقل كثيرا من المتوسط. وأضاف أن "الضغط على موارد المياه بسبب الإسراف في الاستخدام زاد مع وجود ما يقرب من مليون لاجئ مسجل منذ بدء الصراع في سورية عام 2011". وفي العراق وسورية حيث أغلب الأراضي لا تصلح للزراعة ستزيد الصراعات الأهلية وعدم توافر منشآت كافية لتخزين المياه من الصعوبات التي تواجهها المجتمعات الريفية المعتمدة على زراعة المحاصيل وتربية الماشية. وتظهر الدراسات الميدانية المستندة إلى الأمم المتحدة أن ما يزيد على 30 في المائة من الأسر في العراق وسورية وبدرجة أقل في الأراضي الفلسطينية والأردن مرتبطة بالزراعة. وقال حسين "إن إنتاج المحاصيل آخذ في الانخفاض بسبب الجفاف، لذا نلمس الآن تأثرا في حياة كثيرين في هذه الاقتصادات الزراعية الرعوية، وفي العراق الذي كان يتباهى يوما بامتلاك أكبر مساحات من الأراضي الخصبة في المنطقة، ولم تمض سوى ثلاث سنوات فقط على انتهاء آخر دورة جفاف كبرى التي أثرت في أكثر من 73 في المائة من البلاد". وتشير مقتطفات من دراسة تشرف عليها الأمم المتحدة ومن المنتظر نشر نتائجها قريبا إلى أن الجفاف في العراق سيستمر وستزيد شدته في الفترة من 2017 إلى 2026 ما يزيد من اعتماد واحد من أكبر مستوردي الحبوب في العالم على واردات الغذاء الأجنبية. وتقول المقتطفات "إن تركيا التي تنبع منها معظم موارد العراق وسورية من المياه خفضت كمية المياه المتدفقة إلى نهري دجلة والفرات من خلال إقامة سدود لتلبية حاجاتها المحلية المتزايدة من الماء. ويقول مختصون في الزراعة في سورية "إن ضعف الأمطار في البلاد أثر بالفعل في إنتاج القمح المتوقع في 2014 في المناطق الرئيسية المعتمدة على الأمطار في شمال شرق البلاد والمفترض أن تكون جاهزة للحصاد في حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)". ويشير المختصون إلى أنه حتى إذا هطلت أمطار وفيرة في آذار (مارس) فإن ذلك لن ينقذ محصول الحبوب المعتمد على المطر الذي تهيأ الزراع أنفسهم بالفعل على استخدامه علفا للماشية، وحينما يتأخر المطر يذبل محصول الحبوب في النهاية. ومن المتوقع أن يزداد تقلص إنتاج المحاصيل في ذلك البلد الذي كان يتباهى ذات يوم بوفرة محصول القمح، ويعتمد إنتاج القمح في سورية الآن على المناطق المروية بمياه نهر الفرات والمياه الجوفية التي كانت لا تمثل قبل 2011 أكثر من 40 في المائة من إجمالي الإنتاج السنوي. وقد يقلص الجفاف والصراع إنتاج القمح الإجمالي في سورية إلي أقل من ثلث المحصول قبل تفجر الأزمة الذي بلغ حجمه نحو 3.5 مليون طن بحيث يزيد قليلا عن مليون طن في 2014، ويعتقد مختصون في الزراعة أن أفضل تقديرات لمحصول العام الماضي لم تتجاوز مليوني طن. ويعزو بعض المختصين في سورية ارتفاع أسعار الغذاء الذي فاقم التوترات الاجتماعية ومن ثم أشعل شرارة انتفاضة 2011 إلى الجفاف الذي بلغ ذروته خلال عامي 2008 و2009 لكنه امتد حتى 2010. وأوضح حسين أنه قبل الاحتجاجات كانت أسعار الغذاء في تزايد، وهذا الارتفاع في أسعار الغذاء أعطى الدافع للاحتجاج، أي أن هذا حدث بسبب الجفاف وانعدام التخطيط. ويرى اقتصاديون متخصصون في المجال الزراعي أن ما فاقم هذه الصعوبات الاقتصادية تعثر برامج الدعم التي كانت توزع بكفاءة من قبل أسمدة وبذورا بأسعار مدعمة على ملايين المزارعين المتضررين من الجفاف في كل من سورية والعراق. ويتوقع مختصون في الشرق الأوسط مزيدا من دورات الجفاف المتكررة في السنوات المقبلة مصحوبة بتأخر مواسم المطر في الشتاء وهو ما سيلحق ضررا بالفاكهة من خلال الإزهار السابق لأوانه ويمنع محاصيل الحبوب من النمو بشكل كامل، وأشار فادي أسمر إلى أن دورات التغير المناخي أقصر الآن وهو ما يعني في النهاية أمطارا أقل ودورات جفاف أكثر تكرارا.