املك الرعيّة بالإحسان إليهم تظفر بالمحبّة منهم (أرسطو) المواقفُ الإنسانيّة العظيمة تخلق ردود أفعالٍ عظيمة ومبهرة لأنها تسري إلى الأحاسيس والمشاعر الإنسانية التي تتباين في شدتها وحنوها، وهي كذلك تُعبّر عن أشياء فريدة لا يقوم بها إلاّ الكبار ونعني بهم القادة الكبار الذين يسطّرون مواقف كبيرة، لأنهم للمواقف الكبيرة رموزٌ نيِّرةٌ ساطعة. يتكلم علماء ومختصو عِلْم القادة عن الصفات والمهارات الواجب توافرها في القادة وهي كثيرة وعديدة ومنها: مهارة الفهم والاتصال، وتتفرع منها مهارة الاستماع أو الإحساس بمشاعر الناس وفَهْم النفسيّة الإنسانيّة، ومهارة التأثير ويتفرع منها التحريك العاطفيّ والاهتمام بالإنسان وإشْعارهم بالأمن، وبناء العلاقات وتتفرع منها السيطرة على السلوك والابتسامة الساحرة. ولكن كلّها لا تجدي نَفْعاً إن لم تُشاهد عياناً أوْ واقعاً معيشاً، وأمام الناس لأن الإنسان جُبل على رؤية ما يريد لأنه يريد رؤية الحقيقة ماثلة أمامه يتلّمسُ تفاصيلها بِكلِّ شموليةٍ وإحاطة ويريد رؤية النتائج حقيقة ملموسة. ويقول (بيتر داركر): القيادة الفاعلة ليست إعداداً للخطب واكتساباً لرضا الناس، فالقيادة بالنتائج وليست بالصفات. والمشاهد والمتتبّع لمواقف قيادتنا الرشيدة يرى نماذج إنسانيّة خالدة وكبيرة، يرى كُنْه القيادة الحقيقيّ بِعفويةٍ كبيرة، في الواقع الإماراتي. فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي - رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة - أيده الله، يقطعانِ المسافات الطوال من إِمارة إلى إمارة أخرى ليكونا في مُقدِّمة المُعزّين لذوي الشهداء وبِتعامل إنسانيٍّ قلّ مثيله كونهما يراعيانِ كل اللحظات الإنسانيّة معهم من مساواةٍ وقربٍ واصطبارفي تعزية وطنٍ وأسرةٍ مكلومة، لأنهما قائدان إنسانيان كبيران يعرفان أن الموت في مجال الحقّ والواجب شهادةٌ فُضْلى ويعرفان معزّة الأبناء فلذات الأكباد. والمتأملُ في عينيهما يرى ألقاً وشُموخاً مغلّفاً بتعاطف إنسانيّ معهم لأنهم هم الآباء هنا، والمصاب جللٌ وأليمٌ أصاب الجميع. وهنا كانت الحكمةُ، وهنا كان الصَّبرُ، وهنا كانت الحنكةُ والذكاء الاجتماعيّ، وهنا كانت الدراية لِتكوِّن كلها مَنْظومة قياديّة لكيفية التعامل بكل قُوّةٍ وكفاءة. لأنهما من مدرسة الشيخ زايد - طيب الله ثراه- والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيب الله ثراه - بما كان لهما من حكمة ورؤية إنسانية عالمية. فإذا كانت القيادة تُورّث، كما يقول بعض علماء القيادة، فإنّ القائدينِ الكبيرينِ يَفْخران بأنهما نهلا من مدرستي الشيخ زايد والشيخ راشد الحضاريتين العظيمتين، وعضّدتهما فوق ذلك صفاتٌ شخصيّةٌ تقوم على التلاحم الوطني مع الشعب، لأنهما بتعاملهما هذا ينظران إلى الشعب كونه جزءاً أصيلاً منهما. فأي منصف -أياً كانت جنسيته- عندما يرى نظرات الإنسانية والتعامل الأبويّ لهما. والدموع الناطقة في عينيّ سموهما بألف لغةٍ، وكلها تدور حول الإحسان ومواساة الحزين والمتألم والتعاطف والتلاحم مع الجميع. كم كان القائدان يحملان قلبين كبيرين يستوعبان أوجاع ومتاعب وأحزان شعب كامل فهما يقطعان الأميال الطويلة بين مناطق المدنية الحضرية والمناطق الأخرى في أقصى الدولة ليعزيان الأسر المواطنة، ويعانقانِ الأطفال. وقبل هذا يعانقان أسرهم بحنانٍ وعطفٍ وإحسان. هل نعلم جميعاً لماذا نحب قادتنا الكرام؟ ولماذا نستجيب لتوجيهاتهم في لمح البصر؟ إننا نحبُّهم هؤلاء العظماء جميعاً، والدموع تترقرق دوماً في أعيننا حباً لهم. ولله در القائل: أسْوَسْ الناسِ مَنْ قَاد أبدان الرعيِّةِإلى طاعتهِ بِقلوبها .