هو زمن أصبحت فيه المفاجآت في كرة القدم من النوادر، لذا تعتبر «ثورة» نادي ريد بُل لايبزيغ في الدوري الألماني من «الظواهر» التي لا تشهدها الملاعب إلا في ما ندر من فرص. تأسس ريد بُل لايبزيغ في العام 2009 فقط، إلا أنه لم يحتج إلى أكثر من سبع سنوات للانتقال من دوري الدرجة الخامسة إلى الـ «بوندسليغا»، وستبقى المباراة التي تغلب فيها على كارلسروه 2-صفر في دوري الدرجة الثانية وضمنت له الظهور بين الكبار للمرة الأولى في تاريخه أمام مدرجات «ريد بُل آرينا» الممتلئة بـ 43 ألف متفرج يتقدمهم رئيس شركة ريد بُل ديتريخ ماتيشيتز، أبرز محطات النادي الوليد. يعتبر ريد بُل لايبزيغ النادي رقم 55 الذي يظهر في الـ «بوندسليغا» منذ افتتاحها في 1963، وأول ناد من ألمانيا الشرقية سابقاً يخوض غمار المسابقة منذ هبوط إينرجي كوتبوس بنهاية الموسم 2008-2009. كما أنها المرة الأولى التي تحظى فيها مدينة لايبزيغ بفريق في الـ «بوندسليغا» منذ أن خاض في. أف. بي. لايبزيغ منافسات الموسم 1993-1994 منها. تفادي الهبوط ومع انطلاق الموسم 2016-2017، خُيِّل للجميع بأن ريد بُل لايبزيغ سيكون بين الفرق المتنافسة على تفادي الهبوط نظراً إلى حداثة عهده وقلة خبرته، بيد أنه ضرب التوقعات بعرض الحائط مروراً إلى المنافسة الجدية على انتزاع اللقب بفضل نتائج باهرة تحققت على حساب أندية تفوقه عراقةً، ووصولاً إلى ترشيحه من قبل جهات عدة لتهديد زعامة بايرن ميونيخ العريق. وبعد فوزه يوم الجمعة الماضي على باير ليفركوزن في عقر داره 3-2 في افتتاح المرحلة الحادية عشرة وخسارة بايرن ميونيخ امام مضيفه بوروسيا دورتموند صفر-1 السبت، تصدر لايبزيغ الترتيب برصيد 27 نقطة متقدما بفارق 3 نقاط امام شريكه السابق البايرن نفسه. وبات لايبزيغ وهوفنهايم الخامس الوحيدين اللذين لم يتجرعا طعم الخسارة هذا الموسم حتى اليوم. يذكر أن ريد بُل لايبزيغ حقق رقماً جديداً في الدوري الألماني تمثّل في كونه الوحيد الذي بقي من دون هزيمة في مبارياته الـ 11 الأولى بعد صعوده إلى الـ «بوندسليغا». لغة المال احتاج هذا النادي الى 46 مليون يورو للوصول الى المشاركة في دوري النخبة في ألمانيا، وهو مشروع آمنت به «ريد بُل» عندما اشترت نادي إس. إس. في. ماركرانستاد وحوّلته إلى «ريد بُل لايبزيغ» على أمل بلوغ الـ «بوندسليغا» في أقل من ثمانية مواسم، وهو الحلم الذي تحوّل إلى حقيقة قبل موعده بسنة. أبرم النادي بفضل «ريد بُل» عدداً من الصفقات لضم عدد من اللاعبين الجدد مطلع الموسم الحالي وصل عددهم الى 10 أبرزهم الاسكتلندي أوليفر بوركي مقابل 13 مليون جنيه استرليني من نوتنغهام فوريست الإنكليزي، اليوناني كيرياكوس بابادوبولوس المعار من باير ليفركوزن، وحارس المرمى ماريوس مولر القادم من كايزرسلوترن. ويعتبر المدرب النمسوي رالف هاسينهوتل قائد «ثورة» ريد بُل لايبزيغ، فيما يُعَدّ المدير الرياضي رالف رانغنيك الرأس المدبرة في النادي. أطماع مشروعة لا شك في أن النتائج المشجعة التي حققها النادي تؤكد أطماعه في الموسم الراهن، بيد أن ما أثبت نواياه تمثل في الحرب الكلامية التي بدأ بشنّها مسؤولو بايرن ميونيخ الذي اعترف رئيسه السابق، أولي هونيس، بقوة لايبزيغ، لكنه لم يفوّت الفرصة لتوجيه بعض التلميحات اللاذعة قائلاً: «أعترف بقوة ريد بُل لايبزيغ، لكن يجب الإشارة أيضاً إلى أن لاعبيه في وسط الأسبوع يقضون وقتهم جالسين على الأريكة، بينما نخوض نحن مباريات دوري أبطال أوروبا». وتابع: «أتوقع أن يقوم مالك شركة ريد بُل ديتريخ ماتيشيتز بضخ بعض الملايين الإضافية خلال فترة الانتقالات الشتوية. ولذلك سيبقى فريقه قوياً حتى على الأمد المتوسط». يذكر أن هونيس، المعروف في الأوساط الرياضية الألمانية بمهاجمة خصوم بايرن ميونيخ، يستعد للعودة إلى رئاسة النادي البافاري حيث يعتبر المرشح الوحيد في الانتخابات المقررة في 25 نوفمبر الجاري. ولم يتأخر رد ريد بُل لايبزيغ، حيث اعتبر الرئيس التنفيذي أوليفر مينتسلاف بأن فريقه «هدية للدوري الألماني»، مشيراً إلى أن النادي بات يشكل قاعدة لتأهيل اللاعبين الشباب في ألمانيا، علماً أن معدل أعمار عناصره يبلغ 24 عاماً، وهو أصغر معدّل بين الفرق الـ 18 المشاركة في الدوري. أكبر المنافسين واعتبر مدرب بايرن ميونيخ، الإيطالي كارلو أنشيلوتي بأن ريد بُل لايبزيغ هو أكبر المنافسين لفريقه، فيما توقع مدافعه ماتس هوميلز أن «يحافظ لايبزيغ على مكانته ضمن أندية الصدارة لفترة طويلة». وعلى الرغم من عبارات الإعجاب بأداء الفريق ولاعبيه، إلا أن نجمه الغيني نبي كيتا أبان قدراً كبيراً من التواضع عندما قال: «المركز الثاني سيكون رائعاً. لسنا هنا لننافس بايرن ميونيخ حيث لا يمكن أن نقارن أنفسنا به»، فيما قال زميله دافي سيلكه: «يمكننا تداول الحديث عن بايرن في ديسمبر 2016 فقط، قبل أسبوع من مباراتنا أمامه». أما المهاجم الدنماركي يوسف بولزن، الذي انتقل إلى لايبزيغ قبل ثلاث سنوات، فقد وجه تحذيراً لنفسه ولزملائه قائلاً: «ينبغي علينا ألا ننظر كثيراً إلى ترتيب المسابقة». ويعتبر المدرب هاسينهوتل (49 عاماً) أن «التواضع أمر مهم، فمن خلاله فقط يمكن أن تتحول كل مباراة إلى حدث بعينه. ومن خلال ذلك تأتي الرغبة الجامحة لتحقيق النجاحات»، ويشدد على أنه يريد الحفاظ على تلك المفاهيم مع لاعبيه حتى النهاية. وتتركز حكمة هاسينهوتل في أن وجود لايبزيغ بين أندية المقدمة هو مسألة جيدة بالنسبة له لأنه يظهر أن فريقه يتطور وفقاً لمعادلة تتمثل في «خطف الكرة من الخصم، والجري لمسافات طويلة تبلغ كيلومترات والقيام تلقائياً بتكتيكات محفوظة عن ظهر قلب». ويضيف: «عندما يصل لاعبو ريد بُل إلى أقصى طاقاتهم، ثم يطورون منها بشكل دائم، يصبح من الصعب أن يتلاعب بهم أحد». ويدرك هاسينهوتل أنه «كلما لعبت كثيراً في الدوري، زادت معرفة المنافسين بك». ويرى بأن لدى لاعبيه حتى الآن «مزيجاً جيداً من الجري بقوة ومستوى الأداء الكروي، والإلهام. لكن ليس كل شيء رائع بعد». ... في البال يخشى الكثيرون من مشجعي ريد بُل لايبزيغ أن يقتفي فريقهم أثر هوفنهايم الذي صعد إلى الـ «بوندسليغا» للمرة الأولى في تاريخه في الموسم 2008-2009 فنجح فوراً في احتلال المركز الأول في ختام جولة الذهاب من المسابقة، منتزعاً لقب «بطل الخريف»، بيد أنه لم يتمكن في جولة الإياب بعد العطلة الشتوية في أن يكمل بالمستوى نفسه، فأنهى البطولة في المركز السابع. لا شك في أن تتويج ليستر سيتي المغمور بلقب بطل الدوري الإنكليزي في الموسم الماضي 2015-2016 على الرغم من حضور الأسماء الكبيرة المتمثلة في مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد وأرسنال وليفربول وأرسنال وتشلسي، منح الفرف القادمة من المجهول الأمل في شق طريقها نحو أمجاد ما كانت يوماً في الحسبان. ريد بُل لايبزيغ لن يواجه، كما ليستر سيتي، أندية مرشحة عدة للقب الـ «بوندسليغا»، إذ يبدو بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند الثابتتين الوحيدتين في هذه المعادلة. مهمة سفير مدينة لايبزيغ ليست سهلة في الموسم الراهن إذا ما قورنت بمهمة ليستر في الموسم الماضي، لكن من قال بأن هذا النادي الذي تمتلكه «ريد بُل» يسعى منذ الموسم الأول له في الـ «بوندسليغا» إلى الإطاحة ببايرن ميونيخ وانتزاع درع الدوري منه؟ «ريد بُل» فريق للمستقبل، بيد أن مشجعيه لن يعترضوا إن بدأ المستقبل اليوم وانتزع فريقهم الطموح لقب الدوري للمرة الأولى من المحاولة الأولى... أو على الأقل خطف تذكرة في القطار المؤدي إلى دوري أبطال أوروبا.