هل يمزّق ترامب الاتفاق النووي الإيراني كما وعد أنصاره أم يتعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد ضد المعارضة التي ينعتها بالإرهابية؟ سؤالان متناقضان تماماً يعبران عن الغموض المحيط بمستقبل العلاقات الأميركية-الإيرانية بعد وصول الجمهوري المحافظ دونالد ترامب للبيت الأبيض. فبينما يبدو موقف ترامب المتشدد تجاه طهران واضحاً خاصة في ملفها النووي، فإن مقاربته للوضع في سوريا وإعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطرح احتمالات مختلفة إزاء علاقته مع طهران، فهل تكون سوريا ساحة للتنسيق بين الجانبين أم يتغلّب عداء ترامب لإيران على التقارب في الملف السوري؟ ورغم أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران اعتبر أن بلاده لن يتغير عليها شيء بفوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بدعوى أن إياً كان الرئيس، فإن هنالك فرصة للوصول إلى توازنات قد تغير مسار الأمور لصالح طهران على نحو مفاجئ، بحسب تقرير نشرته صحيفة الأميركية. وكان ترامب قد أطلق وعوداً انتخابية عندما قال إنَّه سيمزق الاتفاق النووي مع طهران، ووصفه بالصفقة الأسوأ على الإطلاق. خامنئي: "إذا مزَّق ترامب الاتفاق النووي، فإننا سنشعل النار فيه أيضاً". وبعيداً عن الملف النووي، ترى "نيويورك تايمز" أن توجُّه ترامب لوقف تقديم المساعدة لقوى المعارضة السورية المسلحة وتركيز الهجوم على مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، قد يصب لصالح حليف إيران في سوريا، الرئيس بشار الأسد. حلف لدعم الأسد وكان الأسد قد اعتبر أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سيكون " لدمشق إذا اعتزمت إدارته محاربة "الإرهاب"، مع الروس والإيرانيين، والعديد من البلدان الأخرى التي تُريد إلحاق الهزيمة بالإرهابيين، حسب قوله. كما أنه إثر انتخاب ترامب، أعرب مغردون سوريون موالون للنظام على موقع تويتر عن سعادتهم. وأبدت صحف النظام السوري تفاؤلاً بفوز ترامب الذي حذر بدوره بعد انتخابه من أن استهداف بلاده للنظام السوري أو دعمها المعارضة السورية المسلحة قد ينتهي بمواجهة مع روسيا. واتسمت تصريحات ترامب تجاه الأسد بالتضارب والغموض، ولكن خلت من أي دعوة للإطاحة به على غرار سلفه باراك أوباما. ترامب أكد مراراً وتكراراً أن أولويته ليست التدخل الإنساني وحماية أرواح المدنيين السوريين، لكنها تتمثل في قتل الإرهابيين الذين قد يهاجمون الولايات المتحدة. وهذا قد يعني تبني سياسة أوباما بقتل عناصر تنظيم الدولة وإخراج بشار الأسد من السلطة في الوقت ذاته، وقد يعني أيضاً في المقابل وضع يده في يد الرئيس فلاديمير بوتين الداعم الرئيس للأسد، حسب تقرير لمجلة نيويوركر الأميركية. وينقل كاتب عن ترامب، قوله: "لا أحب الأسد على الإطلاق، لكنه يقوم بقتل تنظيم الدولة، والروس يقتلون تنظيم الدولة، وإيران تقتل تنظيم الدولة"، ويعلق فيلنكز قائلاً إن "هذا معنى كبير للسياسة الخارجية في جملة واحدة، ويعني أيضاً أن هناك احتمالاً بتخفيف الضغط الأميركي عن نظام الأسد". كما نُسب إلى ترامب، وهو مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية، أن أزمة حلب مُحزنة بسبب كلينتون لمحاربتها الرئيس السوري بشار الأسد الذي هو أذكى منها وأوباما لوقوفه مع روسيا وإيران. الخليج فضلاً عن الملف السوري، تتطلع طهران إلى اليوم الذي تغلق فيه الولايات المتحدة قواعدها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن هذا قد يبدو بعيد المنال، فإن ترامب شَكّك في فائدة وجود حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفي أهمية المظلة النووية التي توفرها واشنطن لحماية كوريا الجنوبية واليابان من النفوذ الصيني، وبالتالي فإنه يفترض أنه سيقلل التواجد الأميركي في الخارج بما فيه منطقة الخليج. من جانبه، صرح محمد ماراندي، الأستاذ المساعد بقسم دراسات أميركا الشمالية في جامعة طهران، لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، قائلاً: "إن حدوث هذا التغيّر في السياسة الأميركية سيكون جيداً لإيِران والمنطقة والعالم". الاتفاق النووي.. إلى أين؟ وفيما يتعلق بالاتفاق النووي، لا تسير كل الأمور ضد مصالح طهران؛ فالأسبوع الماضي، وقّع 76 خبيراً أمنياً على تقرير يحث ترامب على الحفاظ على الاتفاق النووي. كما طالب نواب جمهوريون ترامب بالتحرك ببطء والبحث عن وسائل أخرى للضغط على إيران. غير أنه في يوم الأربعاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 صوّت مجلس النواب الأميركي بالأغلبية لصالح تمديد عقوبات على إيران لمدة 10 سنوات أخرى. ولكن في الواقع أن إيران -حتى في حالة إبطال الاتفاق النووي- بدأت بالفعل في الحصول على مئات مليارات الدولارات التي كانت خاضعة للتجميد وباتت قادرة على الوصول إلى السوق العالمية لبيع نفطها وإبرام صفقات مع الشركات الأوروبية . وبذلك -بحسب الصحيفة- فإن فرص واشنطن في الحصول على التأييد الدولي لفرض مزيد من العقوبات على إيران، تتضاءل خاصة من القوى العالمية التي وقعت على الاتفاق النووي. وبالطبع، ستخسر إيران كثيراً إذا ما أُبطل الاتفاق النووي. فمنذ توقيعه في يناير/كانون الثاني 2016، فقد عادت البلاد إلى أسواق النفط العالمية، ما وفّر مصدرَ دخلِ هام للقادة الإيرانيين الذين باتوا أيضاً قادرين على التصرف في بعض أموالهم المجمدة في الخارج. كما هرعت الشركات لإبرام اتفاقات مع طهران، حتى إن إيران تخطط لشراء طائرات أميركية من طراز بوينغ، ما يمهد لدخول ثقافة الشركات الأميركية إلى إيران. ولكن وصول ترامب للسلطة مصحوباً بأغلبية جمهورية في الكونغرس قد يوقف أو يعرقل الخطط الإيرانية إلى أن تتضح سياسته تجاه طهران، فقد الأميركي في 17 نوفمبر 2016 بالموافقة على مشروع قانون يمنع الحكومة الأميركية من تسهيل بيع طائرات تجارية لإيران، ويحظر على وزارة الخزانة الأميركية إصدار تصريحات للبنوك الأميركية لإبرام الصفقة ببيع أكثر من 200 طائرة ركاب بين شركتي "بوينغ" و"إيرباص" الأميركيتين وإيران، التي أقرتها إدارة أوباما وتبلغ مليارات الدولارات. وأبدى بعض أعضاء الكونغرس مخاوف من إقدام إيران على استخدام تلك الطائرات لأغراض عسكرية، مثل نقل مقاتلين لمحاربة القوات الأميركية، أو مساندة النظام السوري في قتله المدنيين في سوريا. ويرى محللون أنه ربما يتأخر مناقشة القانون في مجلس الشيوخ حتى مجيء إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب في أواخر يناير المقبل، حيث سيزيد الجمهوريون من الضغوط والجهود لوقف هذه الصفقة والحصول على دعم الديمقراطيين لمشروع القانون. ووفقاً لهؤلاء المحللين، فإن إدارة ترامب ستوافق على تمرير مشروع القانون وتوقيعه ليصبح قانوناً سارياً، باعتبار أن هذا القانون سيعد فرصة عظيمة لإظهار تشددها في مجال الأمن القومي الأميركي. وتقول جنيفر روبين، المحللة بصحيفة واشنطن بوست: "إن الرئيس المنتخب دونالد ترامب سيكون واعياً لمخاطر الصفقة مع إيران وسيعمل كل من الكونغرس والبيت الأبيض بتناغم وفهم في هذا الأمر"، حسب تعبيرها. هل تعود العلاقات الدبلوماسية بين الغريمين؟ لكن هناك ملفاً قد لا تحقق فيّه الولايات المتحدة أو إيران أية مكاسب؛ بل قد يشهد تراجعاً، وهو عودة العلاقات الدبلوماسية الشخصية، التي تحطمت منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979. فخلال عامي مفاوضات الاتفاق النووي، بنى وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف علاقة شخصية قوية، على الأقل أمام الكاميرات؛ إذ كانا يربتان على كتفي بعضهما البعض ويتَمازحَان ويبّديان وفاقاً بينهما، وهو تطور هام بالنسبة لبلدين ليس لديهما سفارات متبادلة في العاصمتين طهران وواشنطن. ولم يقرر ترامب بعد من سيتولى منصب وزير خارجيته، لكن انتشار تكهنات بتعيين شخصيات مثل رودولف جولياني المحافظ السابق لمدينة نيويورك، وجون أر بولتون، السفير السابق لدى الأمم المتحدة، لا ينبئ بالوصول إلى هذا المستوى من العلاقة الشخصية بين مسؤولي الدولتين. وقال سعيد ليلاز، خبير اقتصادي مقرّب من الرئيس الإيراني حسن روحاني: "لنواجه أنفسنا بالحقيقة؛ انتهى شهر العسل. لقد واصل الرجلان وفريقهما الحديث لمئات الساعات على مدار عامين، فمن يمكنه أن يحل محلّهما؟!"، في إشارة إلى وزيري الخارجية كيري وظريف. وقال نادر كريمي، محلل مقرّب من الحركة الإصلاحية التابعة للرئيس روحاني: "لقد عرف كيري وظريف بعضهما البعض سنوات. إن زوج ابنة كيري ذو أصول إيرانية. وكان ظريف يستقبل كيري في منزله بنيويورك عندما كان سفيراً لدى الأمم المتحدة. ومع ذكر الأسماء السابقة في إدارة ترامب، أصبح هذا الشكل من العلاقات الدبلوماسية الشخصية درباً من الماضي". فرص للتعاون ولكن حسين روفارن، المحلل السياسي الإيراني، يقول: "حدث تغيّر في علاقة الدولتين بسبب أزمات المنطقة، فهناك فرص للتعاون في سوريا والعراق وأفغانستان واليمن على سبيل المثال. ويعني هذا أن نفوذنا في المنطقة سيجبر أي رئيس أميركي، سواء كان أوباما أو كلينتون أو ترامب، على التعاون مع إيران". بينما يرى العديد من الإيرانيين أن ترامب نذير للفوضى التي ستَعم العالم، فقد أدت معاناة العديد من الدول بسبب مكائد الاستعمار والقوى الغربية إلى انتشار نظريات المؤامرة بين عامة الناس، حسب "نيويورك تايمز". ويبدو مستقبل العلاقة الأميركية-الإيرانية مرتبطاً بأي ملف ستعطيه إدارة ترامب الأولوية، هل يكون الملف النووي الإيراني أم التنسيق مع الأسد وبوتين، وبالتالي من ورائهما طهران في مواجهة ما تعتبره موسكو ودمشق إرهاباً وليس معارضة.