فقد المشهد الثقافي العربي هذا العام عددا من الوجوه الفكرية البارزة التي كانت لها بصمة واضحة في محاورة الفكر الغربي سواء من جهة تقريبه للقارئ العربي من خلال الترجمة والتأصيل أو من جهة استعمال أدواته في تحليل ومقاربة جوانب متعددة من الثقافة العربية الإسلامية. فقبل نحو عشرة أيام توفي المفكر الجزائري مالك شبل (63 عاما) المعروف في الأوساط الأكاديمية والإعلامية في فرنسا بكتاباته الغزيرةعن الثقافة العربية الإسلامية حيث كان اسمه مقترنا بالدعوة إلى تبني ما يسميه "إسلام الأنوار". وقال رئيس المجلس الفرنسي للدين الإسلامي أنور كبيبش إن رحيل مالك شبل يعد خسارة كبيرة لعموم المسلمين في فرنسا، ونعاه رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بتغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر جاء فيها "مالك شبل كان مرادفا لإسلام الأنوار والحداثة". ولد شبل عام 1953 في مدينة سكيكدة شرقي الجزائر، وبعد حصوله على الإجازة في علم النفس في مدينة قسنطينة انتقل عام 1980 لمواصلة مشواره الجامعي حيث حصل على درجة دكتوراه في عدد من التخصصات بينها أنثروبولوجيا الأديان وأصبح محاضرا في جامعات بفرنسا وخارجها. أصدر طيلة حياته 35 كتابا كلها باللغة الفرنسية، تتناول جوانب مختلفة من الثقافة العربية الإسلامية من أبرزها "موسوعة الحب في الإسلام" (1996) و"أبناء إبراهيم المسلمون واليهود والمسيحيون" (2011)، و"الإسلام والعقل"، و"محمد نبي الإسلام"، كما ترجم معاني القرآن الكريم إلى لغة موليير. مطاع صفدي ساهمفي رعاية ترجمة العديد من أمهات الكتب الفلسفية والفكرية(الجزيرة) مطاع صفدي وفي 6 يونيو/حزيران الماضي توفي بفرنسا أيضا المفكر السوري مطاع صفدي (87 عاما) بعد حياة حافلة بالإبداع في مجال الفلسفة حيث "مركز الإنماء القومي"، وترأس تحرير مجلة الفكر العربي المعاصر، وكان له دور بارز في رعاية ترجمة العديد من أمهات الكتب الفلسفية والفكريةللعربية. وخلف وراءه مجموعة مهمة من الكتب، من بينها "فلسفة القلق" و"الثورة في التجربة" و"إستراتيجية التسمية في نظام الأنظمة المعرفية" و"نقد العقل الغربي: الحداثة ما بعد الحداثة" و"نظرية القطيعة الكارثية" و"نقد الشر المحض: نظرية الاستبداد في عتبة الألفية الثالثة"، كما نشر صفدي عددا من الأعمال الروائية والقصصية، من بينها "جيل القدر" و"ثائر محترف" و"أشباح أبطال". وفي 16 مارس/آذار الماضي توفي في فرنسا المفكر السوري جورج طرابيشي (87 عاما) تاركا خلفه إرثا كبيرا من المؤلفات والترجمات التي أثرى بها المكتبة العربية على مدى نصف قرن، وعرف على نطاق واسع بنقده لمشروع المفكر المغربي محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي. عمل الراحل رئيسا لتحرير مجلة "دراسات عربية" بين عامي 1972 و1984، كما عمل محررا رئيسيا لمجلة "الوحدة" أثناء إقامته في لبنان بين عامي 1984 و1989. رحل إلى فرنسا وتفرغ هناك للكتابة والتأليف، وترجم العديد من أعمال كبار المفكرين والفلاسفة الغربيين مثل هيغل وفرويد وجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار حتى فاقت مئتي كتاب. كما قدم عددا من الدراسات والأبحاث في الفكر والفلسفة والنقد الأدبي، منها "الماركسية والمسألة القومية" و"رمزية المرأة في الرواية العربية" و"مذبحة التراث في الثقافة العربية المعاصرة" و"مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام"، ومن أبرز أعماله الفكرية سلسلة "نقد نقد العقل العربي"، وهو عمل موسوعي استغرق فيه نحو عقدين. وفي الميداني الأدبي والإعلامي فارقالحياة الشاعر المصري فاروق شوشة في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن ثمانين عاما بعد حياة إعلامية وأكاديمية وإبداعية حافلة بالمنجزات سخر جزءا كبيرا منها لخدمة اللغة العربية وجمالياتها. فاروق شوشة ونال شوشة شهرة واسعة لتجربته الشعرية المميزة، وقدم برامج إذاعية وتلفزيونية حظيت بمتابعة كبيرةمن أبرزها برنامج "أمسية ثقافية" الذي استضاف خلاله عددا كبيرا من الوجوه الثقافية البارزة، من بينها توفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وأمل دنقل وعبد الرحمن الأبنودي. امتازت أشعاره بالدفء والرومانسية كما اتسمت كلماتها بالبساطة والعذوبة مع الحفاظ على قوة المفردات وفصاحتها، إذ كان من أشد المدافعين عن لغة الضاد، ومن أشهر دواوينه "إلى مسافرة" و"لؤلؤة في القلب" و"سيدة الماء" و"وقت لاقتناص الوقت" و"الجميلة تنزل إلى النهر". شغل شوشة مناصب عدة منها عضو مجمع اللغة العربية في مصر، وعضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس لجنة النصوص باتحاد الإذاعة والتلفزيون، كما كان يلقي محاضرات في الأدب العربي بالجامعة الأميركية بالقاهرة. انتقلالعلواني من التخصصفي أصول الفقهإلى فقه الأقلياتوالأديان المقارنة(الجزيرة) طه جابر علواني وفي المجال الفقهي والشرعي فقدت الثقافة العربية الإسلامية المفكر العراقي طه جابر العلواني (81 عاما) الذي مارس التعليم الشرعي والوعظ والخطابة والكتابة منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي قبل أن يضطر إلى مغادرة البلاد عام 1969 على خلفية معارضته الجريئة لنظام حزب البعث. أقام العلواني في السعودية عشر سنوات حيث عمل أستاذا جامعيا قبل الهجرة للولايات المتحدة والعمل ضمن برامج المعهد العالمي للفكر الإسلامي الذي أصبح رئيسا له من عام 1988 إلى 1996. كانعضوا في كثير من المجامع العلمية الدولية والمحلية بينها "رابطة العالم الإسلامي"، و"المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية" في الأردن، و"مجمع الفقه الإسلامي الدولي" في جدة. كما أسس وترأس "مجلس الفقه الإسلامي في أميركا الشمالية"، و"جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية" في فيرجينيا، وشغل منصب أول أستاذ كرسي للبرنامج المشترك في الدراسات الإسلامية الذي تقدمه عشر جامعات أميركية في منطقة واشنطن العاصمة. تنقل الراحل في اهتماماته وكتاباته العلمية من التخصص الأكاديمي في أصول الفقه إلى فقه الأقليات والأديان المقارنة والسنة النبوية وقضايا الفكر الإسلامي المعاصر. وتفرغ في السنوات الأخيرة لتدبر القرآن الكريم ونشر فيه حوالي عشرة كتب، وترك ثمانية كتب أخرى تحت الطبع.