تونس: المنجي السعيداني عشية احتفال التونسيات بعيد المرأة ومرور أكثر من 57 سنة على صدور قانون الأحوال الشخصية، نبهت المنظمات التونسية الناشطة في مجال حقوق المرأة إلى تواصل سيطرة العقلية الذكورية على المجتمع التونسي وغياب المرأة التونسية عن مواقع القرار السياسي على الرغم من «ترسانة» القوانين التي أصدرتها تونس لفائدتها. وأشارت تلك المنظمات في تقارير نشرتها بالمناسبة، إلى أن ثلاث نساء تونسيات فقط يترأسن أحزابا سياسية تونسية وهو عدد عدته «ضئيلا للغاية» مقارنة بقرابة 170 حزبا سياسيا حاصلة على الترخيص القانوني. ولم يكن عدد الأحزاب إلا تسعة أحزاب قبل الثورة وكانت مية الجريبي، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي (الحزب الجمهوري حاليا) المرأة الوحيدة التي ترأس حزبا سياسيا في تونس. وكان بإمكانها أن تكون أول امرأة تونسية ترشح نفسها للانتخابات الرئاسية سنة 2009، إلا أن الحزب الديمقراطي التقدمي قاطع تلك الانتخابات «لعدم توفر شروط النزاهة ومناخ تنافسي سليم بين مختلف المرشحين ومن بينهم بن علي»، وفق بيانات سياسية أصدرها في حينها. وكان نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قد مكن النساء التونسيات من الوجود بنسبة 25 في المائة في المجالس البلدية والبرلمان في نطاق تمييز إيجابي خص به المرأة التونسية لضعف وصولها إلى المناصب العليا. وبعد الثورة لم يضف إلى الجريبي إلا اسمين فقط يتمتعن برئاسة أحزاب هما مريم بنور رئيسة الحزب التونسي، وآمنة منصور رئيسة الحركة التونسية للصلاح والبناء. وأقر المجلس التأسيسي (البرلمان) في انتخابات 2011 مبدأ التناصف في الترشح لكل المناصب الانتخابية، إلا أن كثيرا من الأحزاب السياسية عجزت عن توفير نسبة النصف من المرشحين. وطالبت بعض قيادات الأحزاب والمنظمات بفتح مجال المنافسة بين كل التونسيين والابتعاد عن طريقة التمييز الإيجابي التي اعتمدها النظام السابق والتأكيد فقط على الكفاءة والخبرة ودرجة الاندماج داخل المنظمات والأحزاب، وبالتالي أحقية الترشح والفوز بالمناصب مهما علا شأنها. وفي سياق التنبيه إلى غياب المرأة عن مواقع القرار، نظمت كتابة الدولة للمرأة والأسرة أمس ملتقى وطنيا حول «دستور الجمهورية الثانية» وانتهت إلى الإشارة لوجود ضغوطات مسلطة على المرأة بهدف إقصائها من الحياة السياسية وحرمانها من مراكز القيادة والسيادة في عدد من المجالات السياسية والاقتصادية. وأشارت المشاركات في الملتقى إلى غياب أية امرأة عن قائمة الـ18و (المحافظ) الجدد التي أعلن عنها المهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية خلال الأسبوع الماضي، وهو ما يخفي إقصاء مبطنا للمرأة من مواقع القرار. وفي هذا الشأن، قالت فائزة إسكندراني رئيسة جمعية «مساواة وتناصف» لـ«الشرق الأوسط» إن بعض الأطراف السياسية تريد إرجاع المرأة إلى عصور الانغلاق والانحطاط، ودعت إلى إيقاف ما أسمته «نزيف العنف المسلط على المرأة بأنواعه». وبشأن غياب المرأة عن الحياة السياسية، دعت أمنة منصور رئيسة الحركة التونسية للإصلاح والبناء في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى القطع مع عقلية انفراد الرجل بالحقل السياسي. وحول إعلانها نية الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، قالت منصور المتخصصة في الاقتصاد والتصرف إنها تطمح لرئاسة الجمهورية إيمانا منها بلا محدودية قدرات المرأة في التسيير والقيادة. وأضافت في تصريحها أنها تسعى إلى «تحدي العقلية الذكورية بترشحها لمنصب الرئاسة». وأصرت على الإشارة إلى أن المرأة التونسية هي الوحيدة القادرة حاليا على إخراج تونس من أزمتها، وتابعت القول: «يكفي أن تعطى الفرصة لتولي منصب رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية لنتبين حقيقة الكفاءة والقدرة التي تحتكم عليها المرأة في تونس»، على حد قولها. ورغم الطموحات العريضة التي تبديها المرأة في تونس، فإن الواقع الاجتماعي والسياسي أكثر تعقيدا مما يبدو، لذلك أشار المركز الدولي للتنمية المحلية والحكم الرشيد ومقره تونس إلى غياب المرأة عن مواقع اتخاذ القرار نتيجة احتكار الرجل لهذا المجال. وقالت نائلة العكريمي رئيسة المركز في ندوة انتظمت أمس بالعاصمة التونسية تحت عنوان «لا مركزية ولا حوكمة محلية ديمقراطية دون النساء»، إن المرأة تجابه عوائق كثيرة عند وصولها إلى موقع القرار وتواجه لاحقا صعوبات على مستوى التنفيذ الفعلي للبرامج والمهمات لاصطدامها بالعقلية الذكورية على حد تعبيرها.