يتداول الناس فيما بينهم كثيرا مما يقال عن المستقبل الآفل للصحافة الورقية، بعد أن استغنى عنها كثيرون واستبدلوا بها الصحافة الالكترونية، ويفسر البعض هذا التغير الذي أطاح بمكانة الصحف الورقية أمام غزو الصحافة الالكترونية، بأن الاعلام الالكتروني أسرع في الوصول إلى القارئ وأسهل، فالصحف التي تقرأ على الشبكة الإلكترونية تصل إلى القارئ في وقتها في أي مكان كان على وجه الأرض، وليست كذلك الصحف الورقية. ليس هذا فحسب، وانما أيضا الصحافة الالكترونية تتميز بحداثة ما تنقله من الأخبار وبمتابعة وقوع الأحداث لحظة بلحظة، وذلك لكونها تحرص على تجديد مادتها باستمرار حتى إن بعضها يقوم بالتحديث عبر ساعات اليوم كله. وهذا التعليل وإن كان صحيحا في جانب، إلا أنه ليس السبب الوحيد في اقبال كثيرين على صحافة الشبكة الالكترونية والانصراف عما يدون على الورق. فالناس يقبلون على الصحف الالكترونية لأن مساحة الحرية فيها أكبر بكثير مما هو موجود على الورق، فيجدون على صفحاتها ما لا يجدونه في الصحف الورقية، بصرف النظر عن مسألة المصداقية، فهذه قضية أخرى لا تهم أغلب الناس أمام ما تقدمه لهم تلك الصحافة الحرة من تحليلات وتعليلات تفسر بعض ما يرون ويسمعون، سواء كان صدقا أم توهما. ليس هذا فحسب، وإنما أيضا في الصحافة الإلكترونية بامكان القارئ أن يتفاعل بايجابية مع صحيفته فيكون مشاركا في النشر والإعداد والتعبير وهو ما يجعل الناس يشعرون بقوة تأثيرهم في تسيير مضمون الصحيفة وتوجيه مسارها من خلال ما يضيفونه لها من التعليق والانتقاد وابداء السخط أو الرضا، كما أنها من جانبها تمكنهم من ذلك بيسر وسهولة، فيقبلون عليها بحماسة ومتعة، لأنهم يشعرون كما لو أنهم شركاء فعليون في إعداد المحتوى او أنهم ركن أساسي من أركان كيان الصحيفة. هذا يعني أن الصحافة الالكترونية استطاعت أن تحور دور الصحيفة من الدور التنويري أو الاصلاحي المنفصل عن الذات، الى دور آخر جديد يعتمد الذات نفسها شريكة في التغيير، من خلال اقبال المتلقي على الاسهام في محتوى الصحيفة. إلا أنه من جانب آخر، أدت تلك المساهمة الى انخفاض مستوى المحتوى وفقد المصداقية، كما نتج عن اطلاق الحرية ظهور آراء مخالفة للأعراف وصادمة لذوي التوجهات المحافظة أو التقليدية، فكان ذلك سببا في إثارة المنازعات والخصومات وتقاذف الاتهامات فيما بين أصحاب الرؤى المتضاربة والمعادية لبعضها البعض.