أكتب لكم من على متن الطائرة التي أقلتني إلى واشنطن مطلع هذا الأسبوع، رحلة أبرز ما يميزها هذا التوقيت الذي جاء مباشرة بعد مفاجأة وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. أتحدث عن عنصر المفاجأة هنا من باب عملي في الصحافة، هذه المهنة التي تعتمد في استنتاجها للأخبار على معطيات ملموسة، فما بالكم باستحقاق انتخابي من هذا النوع أجريت حوله عديد من الاستبيانات واستطلاعات الرأي وصب معظمها في صالح هيلاري كلينتون. شخصيا صادفني موقف مماثل قبل عدة أشهر، عندما ذهبت إلى لندن لتغطية الاستفتاء الشعبي الشهير الذي أسفرت نتائجه عن طلاق بائن بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، كنت حينها واحدة من عشرات الصحفيين الذين لم يحسبوا لعنصر المفاجأة أي حساب، وارتكزوا على استطلاعات الرأي التي كشف معظمها رفضاً بريطانيا لهذا التوجه. أتساءل حقا عن مكمن الخلل، هل يكمن في مراكز الدراسات وقياس الرأي العام ومنهجها في قراءة المزاج الشعبي؟! أو ربما في وسائل الإعلام التي اتهمها بعض بالانحياز إلى طرف وإغفال الآخر، علها بتجاهله تساهم في تغيير توجهه؟! الإجابة لا هذا ولاذاك، فالحقيقة المؤلمة تكمن في أن العالم يتغير إلى مزيد من الانغلاق ورفض للوحدة أو التكتلات، كل ما قيل خلال السنوات الماضية عن أهمية بناء الجسور بين الثقافات والحضارات، وقع في وحل الأزمات التي تعصف بالعالم أجمع ومستنقع الإرهاب الذي يقض مضجع الجميع. فهل الحل يكمن إذاً في بناء الأسوار كما جاء في الحملة الانتخابية لرئيس أمريكا الجديد؟! نرجو أن يكون ذلك آخر الحلول، وأن يغلب العقل على منطق القوة، فهو أكثر ما يحتاجه العالم اليوم. تذكرت التاجر الأمريكي الشهير صموئيل ويلسون الذي تندر الأمريكيون بحرفي U.S بعد أن حفرها على علب المواد الغذائية الموردة للجيش الأمريكي في حرب الاستقلال، فأصبح اسم الولايات المتحدة مرتبطا بالعم سام (Uncle Sam) نسبة إليه. دونالد ترامب هو رجل أعمال أيضاً لكن طموحه لم يكتف بالمال بل تجاوزه إلى السياسة، فهل سيغير من وجه بلاده ويطبعها بملامح من اسمه المحفور على عقاراته الضخمة.. من يدري؟!