×
محافظة الرياض

من أجل أهالي “الزلفي” رئيس الهلال يؤجل سفره ويلتقي بالاطفال الأيتام

صورة الخبر

من الممتع أن تقرأ ديواناً لشاعر مثل علي عطا، تتضح فيه معالم الشعر الجديد من نثرية وخيال وإيقاع وموسيقى داخلية تجعل القارئ يلهث من بداية النص حتى نهايته. ورغم التغريب والحوارية والاستطراد في هذا النص الشعري الطويل «تمارين لاصطياد فريسة»، لا يجد القارئ سبيلاً إلاّ أن يلهث ليحصل على أكبر خبرة جمالية ممتعة في الديوان الذي يستهّله علي عطا باعتراف: «أرنو بعينين دامعتين... أشدو بصوت حزين». إنّ الحسّ الاعترافي في هذا الديوان هو النتيجة السائدة التي نقترب من خلالها من نبض الشاعر وعالمه الخاص والذي يطرحه بقوة في هذا الكتاب. يحتوي «تمارين لاصطياد فريسة» (الهيئة العامة للكتاب- القاهرة) على اثنتين وعشرين قصيدة تتفاوت في الطول والقصر وتتنوع في المواضيع، منها على سبيل المثل: «تشكيلة بيبي دول»، «فيما المخالب مستكينة في غمدها»، و»هل قالت يا حبيبي؟» «بانتظار زائر سخيف»، «صيد ثمين»... وهو الديوان الثالث لعلي عطا بعد ديوانيه «على سبيل التمويه» (2001) و»ظهرها إلى الحائط» (2007). ينقسم «تمارين لاصطياد فريسة» إلى قسمين، تغزل القصائد فيهما الجوّ النفسي والرومنطيقي لهذا الديوان المتميز، بحيث تحمل القصائد الكثير من المعاني الرومنطيقية اليائسة الممتزجة بالسخرية. معظم قصائده تتهكّم على مفهوم الحب المثالي وتمزجه بصبغة إيروسية (جسدانية) تؤكد مقولة أن الحب لا يكتمل إلا بالجنس، وليس في شكلها الطبيعي الناعم، ولكن العنيف القاسي، وهذا ما يوحي به دلالياً اسم الديوان. فالاصطياد هو اصطياد المشاعر أولاً، لكنّ الاصطياد هذا لا يقتصر على الأنثى، بل يشمل الرجل أيضاً، ويتضح هذا في قصيدة «فيما المخالبُ مستكينةٌ في غمدها»، حين يقول عطا: «الوجع الذي ليس سوى الوجه الآخر للذةِ/ يشعلُ النهارَ/ فيما يدُكِ التي تنوب عني/ تحنو/ وعينُك تتأملُ فعلَ الأنامل/ والماءَ المنسابَ على جنبات الجدول/ حين يتدفق». فالوجع والتدفق يرمزان إلى اللذة المصاحبة لفعل الحب، وهو هنا يسخر من فكرة الحب في وقتنا هذا لأنه يقوم على لذة الفعل وليس على المشاعر الحقيقية لطرفي المعادلة ، الرجل والمرأة. أمّا الغزل فهو ليس مطروحاً في شكله التقليدي في هذا الديوان، لكنّه يأتي في هيئة فعل جريء ومباشر، والمرأة هنا هي التي تطلب الفعل، بينما ينزوي الرجل خنوعاً واستكانة: «ستقولين: نحن بالكاد نحيا/ والموتى أفضلُ حالاً منا بالتأكيد/ فضع يُسراك على بطني/ فيما يُمناك تعصرني/ واعلم أن ارتفاع ضغط الدم/ ليس بريئاً من مصير أولئك/ الذين يحصدهم الموتُ فجأةً». الصوت الشعري في «تمارين لاصطياد فريسة» هو صوت حزين يتناغم ونفسية شخصيات الديوان. أصوات فيها حزن عميق وعدم ثقة في الآخر، فيما الحب مشوّه، إذ يبدو السبيل الوحيد للتجاوب مع غريزة الجنس، ومن ثم لا يقود إلى اكتمال أو انسجام حقيقي في عصر الخوف والثورة والتوتر والاستباحة والعُهر. في قصيدة «تكرهينني الآن»، يقول: «سأشتاق إليكِ/ في جميع أثوابك/ وفي عُريكِ أيضاً/ ... فقط سأتحاشى النظرَ في عينيك/ كي لا أرى/ غيرَ الذي اعتدتُ أن أراه». اعترافات الحب في قصائد الديوان تشير إلى التربص وعدم الطمأنينة إلى المحب أو المحبوبة. كلها مراوغات حول علاقات ليست حقيقية ولا أصيلة. هي علاقات باهتة ومتوترة وحزينة مثل أيام الشاعر نفسه. يمزج علي عطا في هذه القصائد قيمة الحب بالرثاء، فهو يرثي الحب والمحبوبات، ويرثي أيضاً الأصدقاء، ويحزن لما آل إليه حاله من تدهور انفعالي وسلوكي. لقد فَقَد البراءة في عالم لا يعرف غير الحسّ والشهوة. فالعلاقات الأفلاطونية والمثالية انتهت تحت أقدام المادية وعدم اليقين. النساء يخشين الانفعالات في العشق حتى لا تفسد علاقتهن بالغيب. في قصيدة «معرفة» يقول عطا: «لا أحدَ يعرفني/ بمن في ذلك أصدقائي المقربون/ وحبيباتي اللاتي يزعجهن نزقي/...» . رثاء النفس والآخرين هو أيضاً من التيمات الرئيسة التي يتناولها الشاعر في قصائد مثل «بعدَ موتي»: ولكن هل يدرك الراوي/ الشاعر أن القصائد هي التي تخلد صاحبها كما قال شكسبير في السونته الثامنة عشرة: «وكما تعيش هذه الأبيات، فجمالك سيعيش وتعيشين». ويتساءل علي عطا في قصيدة «بعدَ موتي»: «هل عندك شيء يدوم من أجلي؟/ أسألُك شيئاً/ يدوم من أجلي/ ما حييتُ/ ولبعض الوقت بعد موتي». ديوان علي عطا هو حالة وجودية انفعالية تتحدث عن الشحن الداخلي وعن إحباطات المحبة والجسد والعلاقات الإنسانية عموماً. هو قصيدة طويلة ومرثية عن العجز والنقص وحبس التدفق والمتعة والتطهّر الكاذب، كما يقول في الجزء الثاني «تدفقي فليس هذا أوان حبس الماء». فهذا الحبس يرمز إلى القهر وانعدام الحرية. يأتي ديوان «تمارين لاصطياد فريسة» كإضافة إلى جماليات شعر علي عطا، ومرحلة جديدة في عالمه الإبداعي، تتكئ على لغة انسيابية وخيال متدفق. اعترافات الحب