×
محافظة المنطقة الشرقية

"الشؤون البلديه" لائحة تنفيذية لنظام إدارة النفايات الصلبه

صورة الخبر

لا ثقل السنوات التسعين ولا شبح إعياء أو مرض، تمكَنا من محاصرة آلان رينيه («أب الموجة السينمائية الجديدة في فرنسا»)، داخل أسوار منزله الباريسي، مانعين إياه من السفر مع فيلمه الأخير إلى برلين حيث كان عرضه العالمي الأول قبل أسبوعين تقريباً، بل مشروع سينمائي جديد، انكبّ عليه صاحب «هيروشيما يا حبي» خوفاً من أن تباغته الساعة... وهذا ما كان. رحل رينيه السبت الماضي بعد أيام قليلة من تتويج «حياة ريلي» في برلين بجائزة «الدبّ الفضي عن فيلم يفتح أفاقاً جديدة». ولا شك في ان هذه الجائزة عنت له كثيراً، إن لم نقل أكثر من أي جائزة أخرى حصدها خلال مسيرته السينمائية الحافلة. فهي ليست مجرد تمثال صغير من شأنه ان يوضع على الرفّ في انتظار ان يتآكله الغبار، بل جائزة تكريمية لقيمتها المعنوية أثر كبير في نفس صاحب «لم تشاهدوا شيئاً بعد»... لا لأنها تأتي في نهاية الدرب، ولا لأنها موجّهة من مهرجان يحبه رينيه كثيراً، بل لأنها اعتراف أخير بشباب ابن الـ 91 الدائم وبقدرته على منافسة شبان السينما العالمية في مسابقة واحدة، بل مقارعتهم في التجديد وفتح «آفاق جديدة». وقد تكون هذه الجائزة سبباً كافياً ليتوقف قلب رينيه عن الخفقان ويستكين، بعدما كافأه مهرجان برلين للمرة الثالثة (نال جائزة الدب الفضي سنة 1994 عن فيلم «تدخين/ لا تدخين» وسنة 1998 عن فيلم «نعرف الأغنية») بجائزة تفوح منها رائحة الشباب، في ما يُشبه الثأر من مهرجان «كان» الذي خذله أكثر من مرة في عقر داره... هو الذي ظل حتى الرمق الأخير يحارب الزمن ويتحدى علامات الشيخوخة. وكم كان مفاجئاً بالنسبة إلى جمهور مهرجان برلين خلال انعقاد الدورة الأخيرة، إعلان منتج فيلم «حياة ريلي» جان لويس ليفي بعد نهاية العرض انّ رينيه منهمك بفيلم جديد يعدّ له الآن. وأضاف: «كان عليّ أن ألتقيه السبت الماضي لنناقش المسودة الأولى للسيناريو الذي بدأ العمل عليه مع لوران إيربيه. طلب مني تأجيل الموعد إلى الاثنين لأنه لم ينته من العمل بعد، فأجبته انه عليّ أن أكون في برلين لتقديم «حياة ريلي»، فقال لي من دون تردد: «حياة ريلي» يجب ألا يُعيق إقلاع الفيلم الجديد».   أمجاد الماضي آلان رينيه الذي اعتاد أن يُفاجئ جميع أولئك الذين ينتظرون من سينمائي في مثل سنه أن يتقاعد ويعيش على أمجاد ماضيه المشرق، لم يتمكن من معاندة الطبيعة هذه المرة... فكان أن «باغته» الموت وهو في غمرة انهماكه بالفيلم الجديد، قبل حتى أن يعرض فيلمه الأخير(«حياة ريلي») في الصالات الفرنسية (يبدأ عرضه في 26 الشهر الجاري) ويكتشف أصداءه عند جمهور بلاده بعدما كان لجمهور برلين أفضلية العرض الأول. وهناك شهدت «الحياة» الانقسام الكبير من حوله بين من اعتبر الفيلم تتويـــجاً لمسيرة سينمائي لا يتوقف عن الإبداع ومن رأى فيه سقطة مدوية في تاريخ حافل بالإنجـــازات. فماذا عن هذا الفيلم المأخوذ عن مســـرحية «حياة ريلي» للكاتب البريطاني آلان أيكـــبوم الذي يتعاون معه رينيه للمرة الثالثة بعــــد «تدخين/ لا تدخين» عام 1993 و«مخاوف خاصة في أماكن عامة» عام 2006؟ «ما يهمني في كل أفلامي هو الشكل»، يقول رينيه. ولعل فيلم «أن تحب وأن تشرب وأن تغني» (وفق العنوان الفرنسي لـ «حياة ريلي») هو فيلم «شكل» قبل أي شيء آخر. فهو، ونتيجة انصراف المخرج في السنوات الأخيرة عن التصوير الخارجي واستبداله بالعمل داخل الاستوديو، يتميز بديكور مسرحي حيث لا أبواب في المنازل بل ستائر ولوحات من القماش المرسوم أسوة بديكورات الخشبة من دون أن ننسى التمثيل الذي يبدو أقرب إلى المسرح منه إلى السينما، وشغف رينيه بالرسوم المتحركة التي كانت حاضرة في الفيلم بتوقيع بلاتش الذي يعدّ أحد أبرز فنانيها... وليس هذا الأسلوب بمنأى عن المضمون الذي رأى فيه بعضهم تشديداً على تصوير الحياة والحب وكأنهما مسرحية مؤلفة من فصول لا تنتهي. ولعل ما يعطي هذا الانطباع هو عبثية المواقف التي تصادفها الشخصيات الرئيسة التي تنقلب حياتها رأساً على عقب بعد أن تكتشف أن أيام صديقها «جورج ريلي» باتت معدودة نتيجة إصابته بمرض لا مفرّ منه. وإذ تستهل الأحداث مع الطبيب «كولين» (إيبوليت جيراردو) وزوجته «كاترين» (سابين أزيما رفيقة رينيه في الحياة) وهما يتحاوران في شؤون الدنيا، يتعمد رينيه نسف الخط الفاصل بين الفن والحياة في الدقائق الأولى من فيلمه، فلا نتمكن من معرفة ما إذا كان ما يقولانه جزءاً من يومياتهما أو جزءاً من النص المسرحي الذي يعملان عليه طوال الفيلم. وسرعان ما نصل إلى العقدة التي ستسيّر الأحداث والمسرحية جنباً إلى جنب، باكتشاف «كاترين» مرض «جورج ريلي». وهنا ستفتح الستارة أمام زوجين آخرين: أولاً صديق «ريلي» الحميم «جاك» (ميشال فيليرموز) وشريكته «تمارا» (كارولين سيلهول)، ثم زوجة «ريلي» «مونيكا» (ساندرين كيبرلين) وشريكها «سيمون» (أندريه دوسولييه) الذي هجرت «ريلي» من أجله. وإذ يقرر هؤلاء إشراك «ريلي» في المسرحية التي يحضّرون لها علّه ينسى مرضه، تتصاعد الحبكة سريعاً، ليصبح «جورج ريلي» الشغل الشاغل للأزواج الثلاثة... فالأحاديث كلها عنه، والعواطف متجهة صوبه، والحكايات تنسج من حوله، أما هو فيبدو وكأنه يلعب بالجميع ومع الجميع من دون أن نرى له وجهاً على طول الدقائق الـ 108 (مدة الفيلم)... أما ذروة الأحداث فتصل حين يطلب «ريلي» من السيدات الثلاث كل واحدة منهن على حدة مرافقته في رحلته الأخيرة إلى تينيريف. وطبعاً سيحتدم الصراع حين تدرك كل واحدة منهن أنها لم تكن الوحيدة التي اختارها، أما أزواجهنّ فيبدو أن لا حول لهم ولا قوة أمام سحر «ريلي» الذي لا يضاهيه سحر. فهل نحن أمام مسرحية؟ أم فيلم سينمائي؟ أم مشهد من الحياة؟ أم أننا أمام الخيارات الثلاثة مجتمعة ليقول لنا عبرها آلان رينيه فلسفته في أن الحياة ليست إلا مسرحية أو فيلماً سينمائياً، ولهذا لا بدّ أن تستمتع بها طالما ما زلت قادراً على الحب والشرب والغناء! ولعل رحيل رينيه «المباغت» بعد العرض العالمي الأول للفيلم حسم الأمر وأتى بالجواب القاطع: إننا أمام وصية أخيرة لمبدع كبير جعل من السينما على الدوام نوعاً من التلاعب بين الناس، حتى وإن كانت أفلامه الأولى اتسمت بمأسوية تواكبت مع نزعة تجديدية ربطته بالموجة الفرنسية الجديدة مع أن إبداعه أتى سابقاً عليها وفي أحيان كثيرة أكثر تميزاً. ورينيه المولود العام 1922 بدأ الإخراج أواسط الخمسينات بأفلام وثائقية تعتبر من تحف هذا النوع على الصعيد العالمي ولا سيما منها «ليل وضباب». أما سينماه الروائية والتي غالباً ما اقتبسها من نصوص أدبية كبيرة تحمل تواقيع مرغريت دورا («هيروشيما يا حبي») وآلان روب غرييه («العام الماضي في مارينباد») وجان كايرول (موريال أو «زمن العودة») وجورج سمبران («انتهت الحرب»)، فإنها اتجهت لاحقاً صوب الامتزاج بالمسرح كما بالغناء ليتابع إنتاجها كنوع من «التسلية بين أصدقاء» مع كتاب وممثلين وتقنيين تحولوا في العمل معاً إلى ما يشبه الفرقة السينمائية (على وزن الفرقة المسرحية). ومن ابرز أفلامه الأخيرة «الحياة رواية» و«أريد العودة إلى الديار» و«العشب المجنون» و«ليس على الشفتين». السينماالسينما العالميةآلان رينيه