عزل البعثيين عن الحياة السياسية هو شيء وحرمانهم من حقوقهم المدنية هو شيء آخر. وإذا ما كانت الأمور قد جرت في عراق ما بعد دولة البعث بطريقة لا تشرف أحدا، فأنا على يقين من أن لا أحد من العراقيين، بضمنهم الغالبية من البعثيين يحن إلى استعادة تلك الدولة التي انقرضت أيامها. البعثيون أنفسهم وهم مواطنون شرفاء لا يرون في عودة البعث إلى الحكم أمرا ممكنا، بعد ما شهده العراق من تغيرات، ضربت بعصفها تركيبة وبنية المجتمع العراقي. صحيح أن البعثيين لم يعترفوا بأخطائهم إلا بطريقة وجلة، فإن أحدا منهم لا يمكنه أن ينكر أن العراق الذي سُلم للعصابات الطائفية المتخلفة لم يكن إلا ضحية لسلوكهم المتعالي على الشعب. ما من قوة، مهما بلغ جبروتها كان في إمكانها أن تحتل العراق وتحطم دولته لو أن العراقيين كانوا قد قرروا أن يلتفوا حول قيادتهم ويؤمنوا أن مصيرهم مرتبط بمصيرها. لقد استسلم العراقيون للمكيدة بسبب رغبتهم العاصفة بالتخلص من البعثيين. ولم يكن البعثيون متحمسين للبقاء أكثر بعد أن شعروا أنهم قد انزلقوا بالبلد إلى الهاوية وأخرجوه من التاريخ الحديث. لذلك فإن كل حديث اليوم عن المصالحة مع البعثيين هو نوع من اللغو الفارغ، الذي يُراد منه تزييف الحق وتغليب الباطل، بحيث تبدو المطالبات بحياة مدنية ومعارضة قيام دولة دينية والالتزام بمبدأ المواطنة والاعلاء من شأن المشروع الوطني بدلا من نظام المحاصصة الطائفية والقومية كما لو أننها واجهات لعودة البعثيين إلى الحكم. ما يجب الاقرار به هنا أن البعثيين قد خرجوا من المعادلة العراقية، من غير أمل في العودة. هم اليوم مواطنون عراقيون يجب عدم هدر حقوقهم المدنية. فاروق يوسف