فنانون لبنانيون حوّلوا كتاب قرن من الصحافة في لبنان إلى قطع فنية عُرضت في أرجاء مبنى المكتبة الوطنية في معرض الفن بتصرّف الكتاب. العرب [نُشرفي2016/11/12، العدد: 10453، ص(17)] مقر للكتب التي تبعثرت أوراقها وأهلكها الزمن بيروت - قريبا من وسط العاصمة اللبنانية بيروت، تنتصب المكتبة الوطنية التي تجد في جنباتها ما غاب عنك من زمن وفيك إلحاح الباحث عن المفقود أو المغيّب بسبب أحداث واضطرابات تعاقبت على البلاد وعصفت بها. بمجرد دخولك إلى باحة هذا المبنى العثماني، وتجوالك في معرضه “الفن بتصرف الكتاب”، تجد حواسك تصغي إلى كل جزء فيه. صرحٌ ضمّ نخبة من المثقفين والأكاديميين على مدى عقود عندما كان مقرا تاريخيا لكلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، وتحوّل إلى مكتبة عامة، لتصبح مقرا للكتب التي تبعثرت أوراقها وأهلكها الزمن، وهي تصارع نيران بارود الحرب والنزاعات. 55 فنانا لبنانيا من أجيال مختلفة، حوّلوا كتاب “قرن من الصحافة في لبنان” إلى قطع فنية عُرضت في أرجاء مبنى المكتبة الوطنية في معرض بعنوان “الفن بتصرّف الكتاب”. وتعود فكرة هذا المعرض إلى رئيسة “مؤسسة المكتبة الوطنية”، رنده الداعوق، أما إعداده فتكفلت به صاحبة “غاليري جانين ربيز”، نادين مجدلاني بكداش، التي قالت إنّها اختارت 55 فنانا تشكيليا لبنانيا ليضعوا ابتكاراتهم في خدمة هذا الكتاب الذي يروي تاريخ الصحافة اللبنانية بين 1858 و1958، و”كان من غير المستحبّ إتلافه بسبب الخطأ الذي طرأ في ترقيم صفحاته”. فقد تسبب الخطأ في ترقيم صفحات هذا الكتاب الصادر سنة 2010 في عدم طرحه في الأسواق. وتضيف بكداش “جمعنا مختلف الأجيال لتشكيل باقة من الفنانين المخضرمين والمبتدئين، ليبتكروا ما يريدونه من أعمال، شرط إبقاء آثار الكتاب على اللوحات، فمنهم من رسم على الكتاب نفسه، وبعضهم جعله منحوتة تجسّد الحرب التي تركت جرحها في قلب كل واحد منهم”. داخل الباحة الواسعة يجد الزائرون أنفسهم تائهين بأوراق كتاب تحوّلت صفحاته إلى قطع فنيّة باهرة من النحت إلى الصور الفوتوغرافية داخل الباحة الواسعة يجد الزائرون أنفسهم تائهين بأوراق كتاب تحوّلت صفحاته إلى قطع فنيّة باهرة من النحت إلى الصور الفوتوغرافية، وصولا إلى تقنية الترقيع والتلصيق، لتجد في هذا المعرض الكثير من الأعمال التي تحاكي 100 عام من النضال في سبيل الكلمة الحرة والمستقلة. ومن جهته، يروي إدغار مازجي، فنان تشكيلي مشارك في المعرض، تجربته المميزة في هذا الحدث الفني المختلف وغير المألوف، متحدثا عن لوحته التي تحمل عنوان “دم على ورق.. حبر على ورق”. المعرض الذي يتعمّق في علاقة الفنانين بالكتابة والصحافة، وضع زواره في حالة من الصمت والذهول، بين المعروضات التي لا تشبه بعضها، رغم أن مادتها كانت الكتاب نفسه، الذي اشتغلوا من خلال مضمونه ومن خلال أوراقه، ويعوّل القائمون على هذا المعرض على أن يتمكنوا من تمويل مشروع إعادة ترميم هذا الصرح الثقافي. تشدد مديرة قسم الفن والتصميم في الجامعة اللبنانية الأميركية، ياسمين نشابة طعان، على أنّها لم تجد أي صورة نسائية في الكتاب، وتستنكر ياسمين التغييب الدائم للمرأة، بقولها “دون أدنى شك، كان هناك وجود نسائي في 100 عام من الصحافة، ولكن يتم حصر النساء في المجتمع العربي بالجمال فقط، وهذا ما أتحداه في أعمالي”. أما لورا فرعون، فنانة تشكيلية مشاركة في المعرض، فتعيد كل ناظر للوحتها إلى الماضي الجميل، إذ أنّها جمعت صحفا لبنانية قديمة مع وجوه أشباح سوداء، لتدّل على ما تم فقدانه بين الأمس واليوم، “إذ في الثمانينات كان لدينا عدد كبير من الصحف، واليوم تضاءل عددها وبعضها مهدد بالإقفال”. ومن جهة أخرى تؤكد الداعوق أنها لا تريد انتهاء المعرض، وإزالة هذه الأعمال التي تعلقت بها بشدّة، معربة عن فرحها من ردود الفعل تجاه هذه اللوحات المنوعة. “قرن من الصحافة في لبنان”، كتاب طبعته المؤسسة اللبنانية للمكتبة الوطنية منذ ستة أعوام، تحول اليوم من كتاب غير قابل للتوزيع إلى معرض جامع للفنانين الذين أطلقوا إبداعاتهم، فحولوا الأوراق المعرّضة للتلف إلى قطع فنيّة ثمينةً. وبذلك، أنقذ الفن الكتاب، فكان بتصرفه. :: اقرأ أيضاً أحفاد محفوظ.. اقتفاء أثر أم استنساخ تجربة نجيب حبيقة الحلقة الموؤودة في تاريخ المسرح العربي من مدرسة بغداد إلى مدرسة طليطلة 100 فيلم و100 رواية و100 عام من علاقة السينما بالأدب